منذ أن كان يافعاً وهو يتأمل أحاديث أفراد أسرته ومعلميه وزملائه الطلاب وأقرانه في الحي، وكان يجد ضيقاً من الإسراف في الهذر و(شهوة الكلام) ولاسيما الذي يتناول جانب الآخرين نقداً وذماً، ومع حرصه على عدم الخوض مع الخائضين في أعراض الناس إلاَّ أنه لم يمنع لسانه عن الثرثرة في أموره الحياتية والدراسية والمشهد الاجتماعي العام.. فحين ينزوي منفرداً أو يأوي للراحة أو يخلد للنوم يمضي دقائق من التأمل في كل ما تحدث به وعنه في يومه ذاك..
ويخضع لسانه وأقواله للمساءلة والتحقيق والتمحيص, ويحصر النتائج ويقيمها محاولاً إبراز وتحديد مكامن الخلل مع قناعته المسبقة أن الهذر في الكلام (حتى في الصواب) هو خلل بحد ذاته..
ومع الزمن تشكلت لديه خصلة مذمومة محمودة في آن واحد وهي (حسد الصامتين) وهم من لا يكثرون الكلام في المجالس ولا ينطقون إلا الحق في مكانه، وإن دخلوا في دعابة أو ممازحة لم يسرفوا ولم يتجاوزوا الحدود، ثم إن نقاشهم ومزاحهم لا يتجاوز حدود المكان فلا ينقل إلى مساحات أبعد أو أشخاص أكثر، سرهم بينهم ولمجالسهم أدبيات ومعايير واعتبارات أخلاقية..
وحسد هؤلاء مذموم من جانب أنه يصل للغبطة ومحمود من جانب القدوة؛ فعاد صاحبنا للتأمل مجدداً وتوصل إلى قناعة قادته إلى البدء بترويض النفس (واللسان) على هذا النهج، ورسم خطة تدريبية ذاتية وما زال (أبو محمد) يحقق نجاحات متواصلة تستحق الثناء والإشادة.