Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/06/2009 G Issue 13405
الخميس 18 جمادىالآخرة 1430   العدد  13405
الأبعاد الإستراتيجية لخطاب الرئيس أوباما
د. أنور ماجد عشقي

 

عندما تضعف إرادة الشعوب في ظروف القهر أو الانكسار تبحث عن ملجأ لها تلوذ به عند انهزامها وتنسب إليه معطيات واقعها سواء كان نصراً أو هزيمة.

ولكن الحقيقة - وهو ما أثبته التاريخ والواقع المعاصر - أن الأفراد لا يصنعون الشعوب..

.. وأن الأمم الحية هي التي تصنع قادتها، وعلى هدى مصالحها الاستراتيجية يتخذ هؤلاء القادة قراراتهم لا بصفتهم الفردية بل بصفتهم يمثلون إرادة شعوبهم.

وبالأمس ألقى الرئيس الأمريكي أوباما خطابه، وكانت الآراء والتحليلات تعلق بشخصه هذا التغيير، وكأنه هو الذي أعد الخطاب، وأنه وحده الذي يدير دفة الولايات المتحدة الأمريكية، وسير بها في هذا الطريق الجديد.

والحقيقة أن الأهداف الاستراتيجية الأمريكية لا تتغير، لكن السياسة الأمريكية هي القابلة للتغيير والتطور طبقاً للمتغيرات لتصل إلى الأهداف، والرئيس الأمريكي لا يصنع القرار السياسي، لكنه يصدره، فالتغير الذي جاء في خطاب الرئيس من حيث الحوار مع المسلمين والعرب، لم يصنعه الرئيس أوباما وحده، بل شارك فيه ما يقارب من أربعين من المستشارين والخبراء والمختصين ومراكز بحثية وغيرها، كما ذكرت (الواشنطن بوست).

صحيح أنه كما يتكلم بطلاقة وارتجال، دون أن ينظر إلى ورقة أو شاشة أمامه كما كان يفعل الرئيس ريجن بالأمس، ومذيعي القنوات الفضائية اليوم، والدليل على ذلك هو أن الخطاب وزع على الحضور الذين بلغ عددهم (3200) مدعو باللغتين العربية والإنجليزية عندما كان يتكلم، كما أن القنصليات والسفارات الأمريكية في أنحاء العالم دعت إليها بعض المحللين السياسيين من العرب، وشاهدوا الخطاب في مبنى القنصليات، وتحاوروا حوله واستلموا نسخة منه في الوقت نفسه، مما يؤكد أنه أعد مسبقاً، وقد رفضت الإدارة الأمريكية توزيع الخطاب كالعادة قبل إلقائه خشية أن يحلل، ويقاطع الرئيس أو يسأل بعد الانتهاء من كلمته.

لكن الحقيقة أنه تكلم مرتجلاً، فقد ناقش المواضيع دون الالتزام بالنص، فمن يقابل النص بالكتاب يجد الفرق واضحاً، وهو ما يبين قدرة الرئيس أوباما وبراعته اللغوية، خصوصاً وأنه كان محامياً، كما كان عضواً في مجلس الشيوخ، وهؤلاء يخضعون لدورات تدريبية شاقة ومضنية على الحديث ومهارات الاتصال بالجماهير.

ومع كل ذلك فإن المؤسسة الأمريكية التي تحكم الولايات المتحدة، قد أحدثت تغييراً في سياستها في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وهو ما كان يحدث حتى لو كان الفائز في انتخابات الرئاسة الأمريكية هيلايري كلينتون أو ماكين، لكن ظروف ماكين من حيث السن والأداء لم تكن تسمح له بذلك لأن التغيير يصنعه الشباب.

قبل خطاب الرئيس بيوم واحد، جاءت كلمة على لسان المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل، يقول فيها: (إن إسرائيل كذبت على أمريكا طوال السنوات الماضية، ولن تستطيع أن تفعل ذلك بعد اليوم)، ولعل هذا التصريح فيه دلالة على التغيير في السياسة الأمريكية، وهو ما استمعنا إليه في خطاب الرئيس أوباما.

لقد تم التحضير لمتابعة الخطاب ليس في أمريكا والعالم الإسلامي وحده. بل استمعت إليه شعوب العالم، مما شكل ردود فعل قوية وتحليلات عدة، فهل يستطيع العرب والمسلمون استثمار هذا الخطاب؟ وهل سيتعاملون معه كخطاب مبادئ وأسس لا تحيد عنها الولايات المتحدة الأمريكية؟

لم يكن الرئيس الأمريكي السابق جورش بوش خارج اللعبة، ولم يكن ما اتخذه من إجراءات وتصرفات محسوبة عليه وحده، بل كان جزءاً من الخطة الاستراتيجية الأمريكية الكاملة، فإذا كان يعلم ذلك فإنه لا يعلم إلا بقدر محدود، ومع هذا فإني لا أستطيع أن أجزم بأن أسامة بن لادن كان جزءاً من اللعبة، خصوصاً وأنه كلف من قبل جي 3 الاستخبارات الحربية الحربية الأمريكية بمقاتلة السوفيت في أفغانستان قبل انحرافه إلى الإرهاب، كما كلف أخوه طارق من نفس الجهة ببناء مدن النور، وإنشاء الجسر بين اليمن وجيبوتي.

لقد كان على أمريكا أن تهجم على أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر لتنشر قواتها في آسيا الوسطى، وتتمكن من احتوائها حتى لا يعود الروس إليها من جديد، فيعاد تشكيل قوة سوفيتية تهدد الشرق الأوسط، ومنابع النفط، كما أن من مهام القوات الأمريكية في هذه المنطقة، أن تضع قواعدها العسكرية والصاروخية تحت أضلع الصين وروسيا، وقد فعلت، وأن تقترب كثيراً من بحر قزوين العائم فوق بحيرة من النفط والغاز، وقد وصلت.

من خلال هذه الغزوات، تأكد للأمريكيين بأنهم لن يتمكنوا من السيطرة على أورآسيا والشرق الأوسط، إلا من خلال التعاون مع المسلمين الذين ساعدوهم في إسقاط الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، طبقاً لإستراتيجية المنطقة الرخوة تحت الحزام المعروفة باسم (Under belly soft).

من هنا جاء التفكير في أهمية الحوار العربي الأمريكي، خصوصاً وأن إسرائيل فشلت في تحقيق التفاهم والانسجام مع العالمين العربي والإسلامي، بسبب الصلف والأطماع الصهيونية.

في عام 1984م عندما كنت في العاصمة الأمريكية، وصلتني هدية من المفكر الاستراتيجي ستيفن جرين، لكتاب ألفه عن الفضائح الإسرائيلية بعنوان الانحياز (Taking side)، فدعوته على العشاء مع فريق من رجال الكونجرس، وأساتذة الجامعات.

بعدها وجدت أن الرئيس جيمي كارتر ألف كتابا بعنوان (دم إبراهيم) وكان شديداً على إسرائيل، واكتشفت أنهما من مجلس العلاقات الخارجية، وهو التنظيم الذي يؤثر كثيراً في التخطيط، والقرارات الأمريكية، وسألت أحدهم هل هذا يعني أن الصراع بينكم وبين إسرائيل قد بدأ؟ قال لا، قلت: إذاً لماذا هذا الهجوم عليهم؟ قال: (إن لدينا عربة، وإسرائيل واحداً من الخيول التي تجرها، فإذا أراد أحد الخيول أن يأخذ طريقاً غير الذي رسمناه، فإننا نجلده بالسوط ليعود إلى مساره، وما هذه الكتب إلا من هذا القبيل)، فهل تتجاوب إسرائيل مع توجهات السياسة الأمريكية الحالية، وتنصاع إلى خطوات الرئيس أوباما؟ أم أنها تحاول أن تسير في طريقها الذي رسمته؟

ومع كل ذلك فإن خطاب الرئيس الأمريكي تحت قبة جامعة القاهرة، يشكل مرحلة هامة في التحول لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط، بعدما تأكد لدى الولايات المتحدة، أن إسرائيل تسعى لتأزيم الأوضاع في المنطقة، حتى أخلت بالأمن والسلام في الشرق الأوسط، فهل آن الأوان لتهميش إسرائيل والتعاون مباشرة مع العرب والمسلمين؟

لقد بدأ الرئيس الأمريكي أوباما خطابه بوضع الأسس التي تقوم عليها العلاقة المستقبلية ما بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وبين فيها ما يجب على الولايات المتحدة، وما هو واجب على العالم الإسلامي، فأرساها على أساسين المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، مبيناً فهمه للإسلام، ومؤكداً على أن الإسلام جزء من الثقافة الأمريكية، وأكد على مشاركة المسلمين في بناء أمريكا والعالم والحر، وربط مصير المسلمين بمصير أمريكا، وأظهر ضرورة العمل معاً، ثم ناقش أموراً سبعة: أولاها مواجهة التطرف، والثانية الانسحاب من العراق، والثالث الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والرابع الانتشار النووي، والخامس مصالح الشعوب، والسادس الحرية الدينية، والأمر السابع حقوق المرأة، وفي النهاية تكلم عن التنمية الاقتصادية.

لقد كانت هناك ثقوب في خطاب الرئيس الأمريكي لا يمكنه سدها، لكنه في مجمله كان خطاباً متوازناً قدر الإمكان، شاملاً للتغيير، ومع ذلك فقد برر غزو العراق، وعندما أشار إلى اضطهاد اليهود والمحرقة، تحاشاً أن يشير إلى محرقة غزة.

كان الرئيس الأمريكي يتكلم عن التعاون مع الأمة الإسلامية والدعوة إلى الحوار، ونزع الكراهية، وعدم التطرف، في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الأمريكية تقصف المدنيين في أفغانستان، وهذا ما أخل بمصداقية الخطاب، فكم كان عظيماً لو أنه أثناء خطابه قال: بأني آمر من هذا المكان بإيقاف القصف على أفغانستان، وأطلب من الجميع العودة إلى طاولة المفاوضات.

أما بخصوص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد كنا نتمنى عليه أن يقول إننا سوف نفرض الشرعية الدولية، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة لكان وقتها أكثر إيجابية.

ومع كل ذلك فإن الفرصة أمام الأمة العربية أصبحت سانحة لتنهض بمسؤوليتها مع العالم الإسلامي لاستثمار التوجه الأمريكي القادم، والعلم من داخل أمريكا لكسبها في تحقيق مصالح الأمة، فهناك من يتربص بنا الدوائر، ويحاول إفساد هذه الأجواء، وعلينا أن ندرك حقيقة واحدة هي أننا أصبحنا في سباق مع الزمن، ويجب أن نكسب الولايات المتحدة وغيرها بدلاً من أن نفكر في تدميرها وأن نزرع الحب بدلاً من تصدير الكراهية، فبالحب لا بالحرب نصنع الأصدقاء ونحصل على المكاسب.



Email-eshki@doctor.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد