الدمام - خالد المرشود
نثر القاص والروائي الزميل عبد الحفيظ الشمري أطرافاً من تجربته في الرواية والقصة والصحافة وأدب الطفل في الأمسية التي أقامها نادي الشرقية الأدبي التي أثارت حفيظة الشعراء الحاضرين الذين رفضوا وصف الشمري شعراء الثمانينيات باحتكار المشهد الثقافي وإقصاء القاصين.
وكان الشاعر محمد الدميني أول المداخلين المعترضين عازياً السبب في بروز الشعر الحر وخفوت أضواء القصة في ذلك الوقت إلى انشغال المتلقي بأضواء التجاذبات التي كانت تحدث بين شعراء الحداثة ومناوئيهم.
وقال الشاعر حسن السبع معلقاً على وصف الشمري للشعراء بالاحتراب من أجل الوقوق في المقدمة أن الأمر لا يعدو كونه منافسة بين أبناء المهنة الواحدة وهو الأمر الذي قال: إنه حصل للشمري نفسه في نزاعاته الأدبية مع أقرانه من أهل القصة والرواية. وذكر الشمري في بداية ورقته أنّ طفولته في الريف الشمالي للوطن كانت حزينة ومليئة بالبكاء والمعاناة من المرض، وأضاف أنّه ينحدر من أب يعمل في الزراعة وأم نازحة من البادية سعيا إلى علاجه من مرض الكلى وفقر الدم ولكنهما لم يفلحا في شفائه من الحزن الذي سكن روحه.
وقال: إنه نزح إلى لعاصمة منذ ثلاثة عقود ولكن بعد أن قضى طفولته في المكان الذي قال بأنّه كان يراه في طفولته على أنه يختصر العالم وتقتصر فيه الحياة في القرية، حيث يبدأ بعدها الخراب والهدم، فالمسرح الذي احتضن طفولته كان يجاوره العديد من المواقع الحربية التي كثيراً ما يعثر فيها مع الأطفال على بقايا عظام الميتين في المعارك و بعض الطلقات، وقال: إنه كان يرى الحياة ممثلة بمشروع الماء والمدرسة وملعب الأطفال القرية، ولا شيء من وراء ذلك.
وأضاف أنه استمدّ من تلك المشاهد الكثير ووظفه في أعماله، مضيفاً بأن المكان في الرواية لا ينبغي أن يكون عالم طهر ونقاء مفعم لا يمكن المساس به، مبدياً إعجابه بطريقة وصف المكان في روايات عبد الرحمن منيف وتركي الحمد ورجاء عالم إلا أنه تحفظ على ما أسماه (المبالغة في رسم التفاصيل). ومضى الشمري قائلاً: إنّ قريتهم كانت إلى جانب جبل أجا وكان أهل الجبل ينزلون إليهم لصلاة الجمعة مشبعين بالقصص والأساطير والقوة الجسدية.
وأضاف أنّه في بداية مشروعه القصصي عني كثيراً بما حوله وكان التتويج في مجموعة (رحيل الكادحين) التي أتبعها بمجموعة أخرى (أبي والقوافل) وأضاف الشمري (هذيت بعدها بما يجب، وسلطت سهام نقدي إلى الجميع فخرجت بهوس سردي وسميته (الوطن الشقي) وكنت قاسيا على الجميع، نعم العالم بأسره، فلم تر الرواية النور حتى الآن).
وتحدث الشمري عن تجربته في الصحافة ذاكراً أن ما دفعه إليها هو بقاؤه لعشرة أعوام دون أن ينجح في أن (يقدّم ذاته للقراء من خلال العمل الأدبي) وقال: إن الصحافة أسهمت في التعريف بما لديه. ثم تحدّث الشمري عن شجون المشهد الثقافي في مرحلة الثمانينيات متهماً الشعراء بالسيطرة على الساحة وإهمال القصة التي بقيت كنبتة ظل كما وصف. وأضاف أن سيطرة الرقابة وصعوبة النشر وانشغال رواد القصة كلٌّ بتجربته أدّى إلى غياب الأساتذة عن جيلهم.
وتحدّث الشمري عن خصوماته الأدبية قائلاً: (في عكاظ، كنت أجهز خصومي وأرمي نبالي وأشحذ قلمي ومديتي، في الرياض، تعلمت من دروس عكاظ أن أناور، ولست ملزما أن أنافح أو أرد على الخصوم والمناوئين).
وأضاف (أمّا في الجزيرة فقد شعرت انني نضجت بعد معركة ضارية مع الأديب جارالله الحميد بعدها صرت إلى اقتفاء حساسية الخطاب الإبداعي).
وقال: إنه كان يطلّ على المجتمع من خلال زاويته (بين قولين) وعلى الأدب من زاوية (مطالعات) التي توجها بكتاب صدر عن أدبي المدينة قال: إنه لم يكتب له حضور ناجح.
وأكّد الشمري على أنّ الرواية هي مشروعه الأكثر حضورا حيث سيطرت الرواية في عالمه وبقي لعشر سنوات يكتب ثلاثيته الروائية، وقال: إنّه كان ممن كتبوا الرواية واستعدوا لها باكراً. وأضاف أنّه انطلق من مشروعه الخاص وتجربته الخاصة في الرواية، منتقداً في الوقت ذاته الروايات الأخيرة التي وصفها ب(نزوة وتفريغ شحنة عاطفية).
وكانت المرحلة الثانية في حياة الشمري هي رحيله للمدينة حيث دفعه روح الشغب الطفولي بعد أن لوحت له المدن بالحياة السهلة وتوفر الفرص العملية والكسب المعيشي وأشياء لامعة كالصحافة التي فتحت له ذراعيها منذ أول يوم حل فيها وحتى الآن. الا انّ الشمري ظل ينهل من معين حكايات القرية الشيقة وهذا ما حدث في أعماله القصصية الأولى (رحيل الكادحين) و(أبي والقوافل) و(تهرأت حبالها) كما أنها حضرت كذلك لاحقا في أولى رواياته (فيضة الرعد) التي قال إنها تجسيد لعوالم هذه القرى.
وتناول الشمري في المحور الثاني من ورقته ما أسماه (هوس المدينة - الملاذ) قائلاً (في العاصمة الرياض توطدت علاقتي بالقلم والكتابة والفعل الثقافي، فقد أنتجت العديد من الأعمال الإبداعية فكانتا مجموعتي القصصيتين (دفائن الأوهن) (وضجر اليباس) هما تتويج لمرحلة نضج التجربة التي عنيت بها كثيراً لاتبعها بأعمال روائية تتحدث عن هذه النماذج الثلاثة في تجربتي السردية، فقد عكفت على رواية (جرف الخفايا) التي تمثل نموذج المدينة الذي لم أجد حتى الآن الوئام معه، رغم محاولاتي القول بأني متصالح مع الواقع.
وفي المحور الثالث الذي عنونه الشمري ب(الصحراء، العودة للمنابت) قال (بعد إدراكي يقيناً أن القرى لم تعد هي هاجس البقاء لأحلامنا، والمدن لم تعد هي ملاذنا الذي نبحث فيها عن دواء لأسقامنا أو بلسماً لجراحنا فقد حارت بي الخطى وتاهت من تحت قدمي الدروب ولم أعد اؤمن بأن المدينة قد تكون فرصتي الباقية في حياة أفضل وأهدأ رغم تصالحي معها، بل رأيتها وقد كشرت عن أنيابها كأفعى أسطورية ولاسيما بعد كشفها وفضح أمرها على الملأ في تفاصيل روايتي (جرف الخفايا) التي صدرت قبل نحو أربعة أعوام، قصة الريف حملتها معي حكاية ولم أكل أو أملّ حتى فرغت من تدوين هذه الثلاثية الروائية التي حاول من خلالها جاهدا أن أحدد معالم المشكلة ومن الذي تسبب بشقائنا ورحلتنا وغربتنا وموت القرية والمزرعة ليبقى ضجيج المدن وبريق أضوائها).
وأضاف (عودتي ليست من باب إعلان الهزيمة أو الارتداد إلى الداخل إنما لإنجاز ما قد أحسبه انه فاصل من مقاربة طويلة ومترامية عكفت عليها على مدى عشرة أعوام كانت كفيلة بأن تمنحني الانطباع الكافي عن مآل الحياة بين هذا الثالوث المهم (الصحراء، القرية، المدينة).
وقال: إنّ روايته الثانية (جرف الخفايا) تناولت انتقال شخصيات القرية إلى المدينة ومعاناتهم من ذات المشكلة وهي عدم قدرتهم من اكتساب قبول الآخر لهم ما جعلهم يكتشفون أنّ المشكلة ليست في القرية ولا في المدينة بل في المنابت الثقافية ما جعله يعود في كتاباته إلى الصحراء ليعيد اكتشاف حياتها ومشاكلها مؤكداً أنّ عودته لم تكن نوعاً من الهرب بل ليسبر أغوار الموضوع وليقفل ثلاثيته الروائية.
اما الرواية الرابعة للشمري (القانوط) فقد وصفها بأنها تشكل عالماً جديداً وأحداثا منفصلة عن سياقات الملحمة التي شغفت بها.
وفي المحور الأخير من ورقته تناول الشمري كتابته للطفل ذاكراً كتابته ثلاث مجلدات (هموم الأشجار، نشاط الحيوان، أحاديث الطيور) وعن ثلاثة أخرى تحت الطبع، شاركت في أوراق عمل وندوات ووجدت أن هناك وصاية على الطفل وأدبه وثقافته وضعف مادة التعبير والرسم في التعليم. وقال: إنّ الكثير من التحديات تواجه العمل للطفل.