كنت في مناسبة رسمية لا تدع برتوكولاتها فرصة حتى للابتسامة فكيف بحديث يحتاج إلى متسع من الوقت، ومع ذلك ابتليت بجلوس شخص لا أعرفه بجانبي يهوى الإثارة ولا يلقي بالاً للظروف.
أخذ هذا (العزيز) كما يجب أن أصفه أو أحسن الظن به يطرح أسئلته همساً مطالباً أن نكون في كتاباتنا أكثر طراوة ورقة ورفقاً بالتشكيليين والتشكيليات خصوصاً الأخيرة التي كررها كثيراً، وبين السؤال والآخر كان مشكوراً يدع لي فرصة للإجابة ولكن بالأسلوب الذي يتوافق مع الموقف، حيث كانت تلك الإجابات بلغة الإشارة هازاً رأسي يميناً وشمالاً عند النفي ومن الأعلى إلى الأسفل عند الإشادة، مع أن الغالبية كانت إشادات عابرة لإرضائه ومع ذلك استمر في تمريره أسئلته كالسهام كلما سنحت له الفرصة، حتى وصل بي إلى مرحلة الضحك الذي غلفته بالسعال لئلا يكتشف أمري، عندما قال إنني أقسو على فلان وفلانة وألمح إلى أن تجاربهم غير ناضجة أو أن ما يقدمونه من معارض لا تروق لي، ومع أنه كان صادقاً في بعض رأيه إلاّ أن من سيسمع تلك الأسماء التي أشار إليها وبهذا الحرص وتلك المطالبة لهن أو لهم بالتشجيع، يظن أنهم مواهب ناشئة مع أن كل منهم يحمل درجة عليا في مجال التخصص ولهم محاولات طويلة وسابقة، وأعمارهم تقارب الثلاثين ( مع الاحتفاظ بالحقيقة)، فكيف لي أن أكتب عبارات تشجيع لهم وماذا إذا سأكتب عن أولئك الناشئين؟.
من العجيب أن نخلط بين التشجيع وبين المجاملة وبين قول الحقيقة، فالتشجيع كما أشرنا يوجه للمبتدأ أما المجاملة فتقال لمن تتوقع أن لديه ما هو أفضل وتقربه لما تراه أنسب في تجاربه الجديدة، أما قول الحقيقة فملامستها صعبة وإعلانها يحتاج إلى من يتقبلها بروح رياضية ووعي كبير ورقي في التعامل وهذا ما نفتقده، فكثير من بساحتنا التشكيلية يشعرون أنهم فنانون عالميون لا يشق لهم غبار ولا يمس لهم طرف وأن حاول أي كاتب أن يقول ما لا يرضى به أحدهم، فسيكون هذا الكاتب منبوذاً محارباً مشكوكاً في ولائه الوطني والتشكيلي.
لقد كانت إشارة هذا الأخ ومطالبته لفئة تعدّت مرحلة التشجيع، تؤكد عدم معرفته أنهم (من الجنسين) مؤهلون للعمل في تنمية قدرات أجيال جديدة، فكيف لنا أن نضعهم في دائرة البداية ونتعامل معهم كموهوبين، هؤلاء إن لم يقدموا ما يستحق أن يشار إليه بالبنان في هذه المرحلة، فلن يكون لهم شأن في الأيام القادمة التي سيجد فيها أسماء أخرى فرصتهم بالإبداع الحقيقي البعيد عن البهرجة الإعلامية لإنتاج خاوي الوفاض، ويكفي أن رأينا في مسابقة السفير الثالثة بوادر هذا الزحف الجديد الواعد، بجيل يتوازى مع متطلبات العصر مع التمسك بالهوية.
MONIF@HOT MAIL.COM