كثيراً ما استحثني موضوع الاعتذار على كتابته دون أن يجد مني مجيباً، فتارة أجاوزه غير آبه وتارة أنساه مع كثير مما أنسى وتارة أغض عنه الطرف لأكتب في غيره؛ لكنه هذه المرة أتى منتشياً محملاً بهالة من الكريزما كتلك التي تحيط بالرئيس الأمريكي باراك أوباما؛ الذي خط بيده ورقة اعتذار لمعلمة الطفلة (كينيدي) التي جاءت مع والدها لحضور خطاب الرئيس.. حين سأله الأب سؤالاً بدأه بقوله إنه حضر بصحبة ابنته وأنه يأمل ألا تتعرض للمساءلة بسبب غيابها عن المدرسة! فقاطعه أوباما: (هل تريدني أن أكتب لها عذر الغياب؟.. أنا جاد.. ما اسم ابنتك؟ ثم استخرج ورقة وكتب عليها: أرجو أن تعذري غيابها.. فقد قضت وقتها معي.. (باراك أوباما)).
|
|
رغم طرافة هذا الموضوع إلا أنه يحمل في طياته كثيراً من التساؤلات المتواترة حول الاعتذار.. هذه القيمة التي تختزل في باطنها أخطاء جساماً، وتحيلها عطراً ينعش الروح ويستدعي الرضا.. هذه القيمة التي تمسك بتلابيب الذنوب وتغمسها في طهر الاعتراف لتخرج بيضاء تسر الناظرين، وتنتزع من عقد الغضب ابتسامة رضى.
|
|
لم يكن الاعتذار يوماً ضعفاً ولا وهنا.. بل قوة تتحدى كبرياء الذات لتعود لها بعزة، وتتجاوز حواجز التعالي فتزيدها علواً.. ولم يكن الاعتذار يوماً نقيصة بل كرامة ترسم على الجباه أَنَفَة.. وفي الوجوه نبلاً.. وتتسامى إلى الرواسي لتنصب عليها راية الاعتراف بالحق؛ و(الاعتراف بالحق فضيلة).
|
|
لا جدال فيما ذكرت؛ لكن الأسئلة التي تستحثني على التفكير: هل اعتذار الفقير كاعتذار الوزير؟ كيف يتشكل وجه الاعتذار ومم يتكون؟ هل للذنب في وجه الاعتذار ملامح؟ أم أن ملامحه تتشكل من ملامح المذنب؟ فيأخذ من ذي الشأن وسامة؟.. ومن المغلوب على أمره تجاعيداً؟ هل حقاً أن الاعتذار شيء واحد لا يتغير؟ أم أنه من القوي كرامة؟ ومن الضعيف مهانة؟.
|
أسئلة تقبل الأخذ والرد وكل بمقياسه يجيب.. ليست لها إجابة واحدة بمقياس واحد إلا عند من قال جل جلاله {وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} .. لكني أريد إجابة تلك الأسئلة من معلمة (كينيدي) التي لا أعلم إلى الآن أقبلت عذر (أوباما) أم لم تقبله؟!.
|
|
(ولقد ترى وجه اعتذار للأُولى |
حبسوا الدموع فأنت أكرم عاذر) |
|
|