ولد المؤرخ أيوب صبري باشا في بلدة تساليا في تركيا في أوائل القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي، وبعد أن نشأ وترعرع في بلدته التحق بالعمل في قوات البحر، ثم كلف بالعمل في الجيش العثماني بولاية الحجاز، حيث عين مديراً للبحرية العثمانية في الحجاز في حدود سنة 1865م. وبعد انتهاء مهمته عاد إلى تركيا. وتمت ترقيته إلى أمير لواء، ثم شغل وظيفة رئيس قسم المحاسبات البحرية، كما تولى التدريس في مدرسة البحرية الشاهانية في اسطنبول.
وقد عرف أيوب صبري باشا إلى جانب مهامه العسكرية والوظيفية باهتماماته الأدبية، واشتهر بمؤلفاته التاريخية التي ذاع صيتها مثل: تاريخ الوهابية (تاريخ وهابيان) ألفه سنة 1879م، و(مرآة مكة) ألفه سنة 1884م، و(تكملة المناسك) 1875م، و(مرآة المدينة) 1887م، وقد جمع المؤلفات الثلاثة الأخيرة في كتاب واحد بعنوان: (مرآة جزيرة العرب) ألفه سنة 1889م، إضافة إلى كتاباته الدينية والأدبية الأخرى مثل (نجاة المؤمنين)، و(ترجمة الشمائل الشريفة)، و(شرح قصيدة بانت سعادة)، وغيرها من المؤلفات مما يضيق المجال عن تتبعها. وقد توفي أيوب صبري باشا في اسطنبول في الأول من شهر صفر 1308هـ، 1890م بعد حياة حافلة بالأعمال العسكرية والأدبية.
وكتاب مرآة جزيرة العرب هو أحد مجلدات مرآة الحرمين، وهو المجلد الخاص بالجزيرة العربية، ويمثل هذا المجلد مؤلفاً متكاملاً عن الجزيرة العربية، وبالأخص منطقة الحرمين الشريفين، تناول فيه المؤلف جغرافية الجزيرة العربية وسكانها، واعتنى عناية فائقة بالعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية السائدة في المجتمع العربي، خصوصاً لدى القبائل الحجازية، مما جعل الكتاب يحظى بشهرة واسعة في الدولة العثمانية التي كان قادتها وباحثوها بحاجة إلى معرفة المزيد عن تاريخ بلاد العرب.
ويتميز كتاب أيوب صبري باشا برجوع المؤلف إلى أمهات كتب التواريخ والسير الإسلامية مثل: تاريخ القطبي (الأعلام)، وتاريخ الأزرقي، وتاريخ الفاكهاني، وخلاصة الوفاء للسمهودي، وفتوح الحرمين، وغيرها.
كما يتميز هذا الكتاب عن كتب الرحالة الذين اعتنوا بوصف الحياة الاجتماعية والأوضاع السائدة في منطقة المدينة المنورة؛ بأن المؤلف مكث في المنطقة ما يقارب عشر سنوات، وعرف أحوالها عن كثب.
ومما ساعد أيضاً على دقة المعلومات التي سجلها أيوب صبري باشا اطلاعه بحكم موقعه الوظيفي، على الكثير من التقارير الرسمية التي يعدها المسؤولون العثمانيون في إقليم الحجاز ويرسلونها للباب العالي في إسطنبول.
وقد قام الباحثان د. أحمد فؤاد متولي، ود. الصفصافي أحمد المرسي الأستاذان المشاركان بكل من كليتي الآداب بجامعة عين شمس، والعلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، بنقل الكتاب إلى العربية، وصدر عن دار الرياض للنشر والتوزيع، بالرياض، عام 1403هـ- 1983م.
وقد جاءت النسخة المترجمة في جزءين، احتوى الأول على مقدمة المترجمين، وثلاثة أبواب، واحتوى الجزء الثاني على ثلاثة أبواب أيضاً، وتحت كل باب بضعة فصول، ويقع الجزآن في 398 صفحة.
ويلحظ على النسخة المترجمة خلوها من تعليقات المترجمين، وعدم وجود حواشي توضيحية باستثناء تحشيات المؤلف نفسه، مما يجعل هذه النسخة مجرد نقل للعربية دون تحقيق أو تعليق على نصوص المؤلف. كما يؤخذ على الترجمة كثرة الأخطاء التصحيفية خصوصاً في أسماء المواضع والقبائل، مما لا يتسع المجال لإيضاحه.