قد لا أكون مصيباً في ما سأقول لكنني بالتأكيد أحاول أن أكون، مع اعترافي الكامل بجهلي لعدد من الأمور. ولم يكن يوماً جهلي ذلك نتيجة تقاعس عن استقاء المعلومة أو البحث عنها، إنما لعدم وضوح الرؤية لدى الجهة المعنية بإعلان تلك المعلومة.
توظيف شبابنا السعودي ليس بالأمر الهين ولم يكن يوماً كذلك لكن تحقيقه ليس أيضاً بالمستحيل ولا هو من ضروب الخيال إن أحسنا توظيف طاقاتنا وخططنا بشكل سليم لعمل منظم يأخذ عدد من الأمور باعتباره.
إن ما يحدث الآن ليس طموح ولاة الأمر ولا يهم أن يكون طموح الرجل العادي لكن علينا إن تم تحميلنا الأمانة أن نضطلع بحملها أو أن نترجل ونترك حملها لمن يستطيع. مشكلتنا أننا لا نستطيع اتخاذ القرار في شأن كهذا لأننا نكذب بدايةً على أنفسنا حينما نصدق أن توليتنا مسؤولية بهذا الحجم يعتبر تشريف وتتويج لعمل مضن لسنوات ربما في مجال بعيد كل البعد عن المجال الذي يُفترض أن نبدع ونبرع فيه. مشكلتنا أننا نؤمن أن وصولنا لسدة صناعة القرار في المنظومة هو المكافأة التي نسعى للحصول عليها وما أن نصل حتى نبدأ عهد جديد عنوانه التراخي ومضمونه لجان تعمل ونتائجه لا جديد.
العمل هو مسؤولية وأمانة تتطلب مباشرة ومتابعة من أجل الوصول لنتيجة محددة، وبغض النظر عن نوع وطبيعة العمل والنتيجة المراد الوصول إليها، يبقى أمر التخطيط جزء مهم بل ومفصلي في عملية بناء العمل وبالتالي الوصول لتلك النتائج.
لكن علينا أن نعي أن ثمة مقياس لكل عمل واختبار لمدى الأداء ومحاك لتقييم الأفعال لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها. ولا يهم هنا من يقوم بوضع تلك المقاييس بل الأهم هو من يقوم بتقييم الأداء ومعرفة النتائج.
فضولي لا حدود له في سؤال من تم تكليفهم بالقيام بعدد من الأعمال الوطنية وأقول الوطنية وليس غير ذلك، سؤالهم عن مدى رضاهم عن ما قدموه منذ توليهم مهام عملهم، مدى قبولهم بنتائج ما قاموا به إن كان هناك ثمة نتائج.
وحتى لا يكون كلامي عاماً وحتى أرضي عددا من الإخوة المثقفين الذين بعثوا ينتقدون ابتعادي المستمر عن تسمية الأمور بأسمائها والمراوغة على حد تعبير أحدهم عن ذكر أسباب أو مسببات حدث ما فضلاً عن إهمالي لبحث وذكر الحلول - وإن كنت أرى أنه ليس من واجبي إيجاد حلول بل يقتصر دوري ككاتب على تسليط الضوء على مشكله أو وضع ما يتطلب حلاً جذرياً ومعالجة فورية، أما مسألة الحلول ففي رأيي هي مسؤولية غيري - وحتى أكون مباشرا في ما أبحثه، سأقوم بكتابة الأسطر القليلة القادمة بشكل مباشر وموجه وأرجو أن لا يكون هناك أي ظن بتعمد أو تقصد ذكر أمر معين حيث لا تربطني علاقة من قريب أو بعيد بصلب الموضوع سوى كوني مواطن محايد شاهد على عثرات كثيرة في مهمة وطنية أمنية اجتماعية اقتصادية يفرض عليه واجبه الإنساني بحثها وتمحيصها.
وزارة العمل الوزارة المناط بها تلك المهمة الوطنية، تعمل بجد وباجتهاد ويمثلها في ذلك بخلاف توجيهات وزيرها عدد من الأذرعة كالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني التي غيبت مؤخراً الجانب التعليمي وقدمت على حسابه الجانب التدريبي، وصندوق تنمية الموارد البشرية والتنظيم الوطني للتدريب المشترك وأخيراً وليس آخراً المركز الوطني للتوظيف. تلك القطاعات المختلفة التي تندرج تحت مظلة الوزارة وتعمل بشكل دؤوب للوصول لتحقيق نتائج مرضية في توظيف السعوديين، هل يجمعها تنسيق معين؟ هل تعمل ضمن خطة عمل واضحة المعالم والأهداف؟ هل لديها أرقام معينة تعمل للوصول إليها في وقت محدد؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهني حول آليات عمل الوزارة ممثلة بإداراتها تلك ولا حظوا أنني أصفها بالإدارات تارةً وبالقطاعات أحياناً وبالأذرعة في أماكن أخرى ذلك لأن طبيعتها الإدارية وحجم العمل المناط بها غير واضح على الأقل للمهتم الذي يهمه معرفة ذلك. الوزارة قبل إناطة مهمة إصدار تأشيرات العمل لها كانت بالكاد تستطيع إنجاز ما هو موكل لها من مهام ليس لعدم وجود العنصر البشري لديها أو الميزانيات التي يتطلب إنجاز العمل وجودها وتأمينها لكن لغياب عنصر التخطيط والعمل بموجب وضع أهداف لها طبيعة الأولوية من حيث أهميتها، والآن تسير الوزارة وقد أثقلت بمهمة إضافية من خلال إصدار التأشيرات وما يتبعها فرضاً من مراقبة القطاع الخاص والتفتيش والتقييم والتقدير وغيرها من مهام مرتبطة بتلك المهمة، تسير مثقلة كهلة لاستمرار غياب ذلك العنصر مع زيادة في حجم أعباء العمل عليها.
هناك جهات أخرى غير تلك الوزارة التي تحتضر، جهات يُفترض أن يكون لها دور مؤثر في تحقيق المعادلة ومعاونة الوزارة على إنجاز عملها مثل لجنة الموارد البشرية والعمل في مجلس الشورى ومجلس قوى عاملة في وزارة الداخلية.
والواضح أن الجهد مبعثر ضائع تائه لا يربطه عمل منظم ولا يتحدث عنه إنجاز أو تفوق أو تميز، فالبطالة مستمرة وأعداد العاطلين عن العمل في تزايد مستمر ليس بفعل البطالة المدورة التي تنتج عن عودة طالبي العمل لمكاتب العمل بعد أيام من توظيفهم ومطالبتهم بتوظيفهم من جديد ولكن بفعل حركة الزمن وتسارع عقارب الساعة التي لا ترحم في توليد أعداد كبيرة من الشباب الباحث عن عمل.
المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والتي غيبت مؤخراً لفظة التعليم في اسمها ولا أعلم حقيقةً سبب ذلك، هل قامت بتأهيل خريجي معاهدها وكلياتها والتي دأب مسؤولو القطاعات الخاصة على انتقاد أبسط أبجديات مخرجاتها المطلوبة للعمل المهني كاللغة الإنجليزية والحاسب الآلي وكأن المؤسسة عاجزة عن فرض تعليم اللغة أو الحاسب ضمن مناهجها وهي التي تحارب من أجل مساواة خريجيها بخريجي الجامعات في الكليات الهندسية.
يوجد لدى المركز الوطني أعداد فاقت الخمس وعشرين ألف ملف لشباب سعوديين باحثين عن عمل، فماذا قدم المركز بل ما هي خططه لتوظيف هؤلاء الشباب وما الذي عمله لاستيعاب المزيد منهم بعد نهاية كل عام دراسي؟
صندوق الموارد البشرية والذي أعلن مؤخراً عن صرفه ما يزيد عن مائتين مليون ريال في الربع الأول فقط من هذا العام لتوظيف تسعة آلاف شاب، هل أعلن أيضاً عن خططه وأهدافه المستقبلية؟ ثم هل قام بالإعلان عن أعداد من عاد من أولئك التسعة آلاف شاب الذين تم توظيفهم؟ وماذا تم بصدد إعادة توظيفهم؟
نسمع كثيراً عن التنظيم الوطني للتدريب المشترك ولم نشاهد حقيقةً نتائج ملموسة لمخرجاته ولا لخططه ولا لأهدافه ولا لغاياته وما الذي يُفترض بنا أن نتوقع منه بل ما هي طبيعة دوره.
هل قامت وزارة التربية والتعليم بالتفاعل مع موضوع تطوير وتحديث المناهج والمطالبات المتكررة بضرورة إعادة تقييمها.
هل قامت وزارة التعليم العالي بطريقة أو أخرى أيضاً بالتعاطي بموضوع ضرورة دراسة مخرجات مؤسسات التعليم العالي وارتباطها بمتطلبات سوق العمل المتغيرة باستمرار؟
لقد اقترحت في غير مناسبة أن يتم إيجاد جهة واحدة منفصلة تماماً عن وزارة العمل ومرتبطة بجهة أكبر من وزارة العمل لضمان مدها بالقوة الكافية إن أردنا فعلاً تحقيق إنجازاً للوطن تقوم بتنظيم الجهد الذي يبذل من جميع تلك القطاعات سابقة الذكر وتوحيد سياساتها ووضع أهدافها وتحديد أزمنة تحقيق تلك الأهداف التي تؤدي لنتيجة واحدة وهي توظيف الشباب ورصد إنجازها وربط عملها بعدد من الإدارات الأخرى ذات العلاقة بغية الوصول للهدف الأسمى.
وحتى أكون أكثر وضوحاً، لماذا لا يتم إنشاء هيئة خاصة تحت اسم هيئة العمل على غرار كثير من الهيئات التي ظهرت مؤخراً بل انبثقت عن عدد من الوزارات، هيئة خاصة بالعمل والتوطين وما يتعلق بهما وتكون ذات مرجعية خاصة مباشرة لجهة سامية كمجلس الوزراء أو حتى للملك مباشرةً.
لقد اقترحت أيضاً في أكثر من مقام أن توكل المهمة لأشخاص يملكون المعرفة والخبرة والدراية وأن لا يتم مجاملة أحد بتشريفه بمسؤولية كتلك تضطلع بهّم وطني يجب تحقيقه تفادياً لكوارث كثيرة، يكون لديهم القدرة على تيسير دفة العمل بما يحملونه من معرفة مرتبطة بطبيعة العمل الموكل إليهم.
لا أعلم سبباً يمنع توجه صاحب القرار نحو إصدار قرار سريع بضرورة القيام بعمليات تغيير شاملة وإصلاح كامل لتلك الأجهزة. الأمر لا يكلف كثيراً بل يقود البلاد نحو ركب مسيرة الإصلاح الذي انطلق أمامنا بشكل سريع حاملاً معه العديد من دول العالم بما فيها المتخلفة اقتصاديا وسياسياً واجتماعيا وأصبحنا ننظر بعينٍ تملؤها الحسرة لذلك الركب وهو يتلاشى مسرعاً كالبرق.
dr.aobaid@gmail.com