قضى ثلاثين عاماً في خدمة وطنه، معلماً مجتهداً ومربياً جاداً لا يعرف الملل ولا الكسل، ولم يجد الفتور طريقاً إلى نفسه، كان وما زال متميزاً في عمله، يشهد له بذلك مديروه ورؤساؤه، ويعترف له زملاؤه وطلابه، ثمار جهده عناصر فعالة، وأيد عاملة، فيهم القضاة خلف مكاتبهم، والخطباء فوق منابرهم، والأئمة في محاربهم، والطيارون وسط كبائنهم، والأطباء في مشافيهم وكذلك المهندسون بل والمعلمون وغيرهم، كان وما زال منبع عطاء، ومصدر ضياء لوطنه ومجتمعه بل ولأمته، لكنه كالشمعة التي تحرق نفسها لتضيء للآخرين، آثار الثلاثين واضحة على صحته، أمراض متنوعة، وعلل متعددة، فنتيجة التعامل مع الأطفال والمراهقين، والوقوف الطويل في زمن الحصص، واستنشاق الطباشير كانت: ضغطاً وسكراً، وآلاماً في المفاصل واحتكاكاً في العظام، وحساسية وربواً، وعللاً نفسية لا يعلمها إلا الله تعالى، هذا ما خرج به وما حصل عليه بالإضافة إلى ديون كثيرة في ذمته، وأقساط متعدة على عاتقة، ضحية بنوك لسيارة اشتراها وفلة بناها.
يقول: ما ندمت على شيء كندمي على سماع نصيحة بذلها لي والدي -رحمه الله- ففي بداية شبابي كان اهتمامي ينصب على قرض وحفظ الشعر، ومتابعة ولعب الكرة، فكانت صيحة والدي لي هي: أن أبذل جهدي في دراستي لأكون معلماً، لأن الشعر ولعب الكرة - حسب نظره -رحمه الله - لا يؤكلان عيشاً.
رحمك الله يا والدي، ليتك ترى منزلة ابنك بين الشعراء واللاعبين، فموسم شاعر أو لاعب يعادل سنوات عمله كاملة، وما يأخذه أحدهم بليلة يساوي ما يأخذه ابنك في شهر، اللهم لا حسد ولكنها الحقيقة.
* حائل - ص. ب: 3998