البيئة هي: ما يحيط بالإنسان على الأرض وما في باطنها وما تحتوي عليه من ماء ويابس، وما يتضمنه يابسها من جبال وسهول وغابات وصحار، وما يدب على ظهرها من أنعام ومواش ودواب وطيور وما يخرج منها من نباتات وأشجار وزروع..
وقد عرفتها المادة الأولى من النظام العام للبيئة في المملكة العربية السعودية بأنها (كل ما يحيط بالإنسان من ماء وهواء ويابسة وفضاء خارجي، وكل ما تحويه هذه الأوساط من جماد ونبات وحيوان وأشكال مختلفة من طاقة ونظم وعمليات طبيعية وأنشطة بشرية).
وموضوع البيئة بات من أهم الموضوعات التي تشغل بال العالم على كل المستويات، العالمية والإقليمية والمحلية، والبيئة من أهم وأعز ما يملكه الإنسان، وإذا ضاعت منه ضاعت منه صحته وسعادته وأمنه وتقدمه ورفاهيته بل حياته، وانطلاقا من هذه الأهمية وبحكم أن الإسلام دين ودنيا وعقيدة وشريعة ونظام وعمل وكون مقصده صلاح دنيا الناس حتى تصلح آخرتهم، وحيث إنه لا صلاح للدنيا في غيبة نوعية بيئية جيدة، ومسألة البيئة في نظر المسلم مسألة دين وليست مجرد مسألة موارد تلوث أو تبدد تجب حمايتها والمحافظة عليها لتحقيق المزيد من الإنتاج والاستهلاك كما هو نهج الفكر البشري المعاصر، إنها قضية خلق الله وما يجب أن يكون التعامل معه، من ود واحترام بغض النظر عن علاقتها بحياته الاقتصادية، وإنها قضية كون وعالم، أو هي قضية الدنيا وعلاقتها بالآخرة، إنها قضية خالق ومخلوقات، فالمسلم يعتقد أن البيئة موطن عبادته وحرصه عليها من باب حرصه على عبادته وطاعته للخالق وهي أداة مهمة ضرورية لقيام المسلم بما عليه من فرائض دينية، فلكي يؤدي ما عليه من صلاة يحتاج إلى مياه طاهرة ويحتاج إلى أرض نظيفة طاهرة، ولكي يؤديها في جماعة يحتاج إلى هواء طيب ورائحة زكية لذا طولب بالسواك وطولب بعدم أكل الثوم والبصل عند حضور الجماعات والمساجد ليس هذا فحسب، بل إنه مطالب بثياب نظيفة طاهرة للصلاة فيها.. إضافة إلى ذلك فإنه حتى في هذه العبادة نجد الإسلام يحرص على عدم الإسراف في المياه، بل قدم في ذلك مقادير نموذجية استرشادية للوضوء والاغتسال.
فالمسلمون ينظرون إلى البيئة على أنها نعمة الخالق سبحانه وتعالى عليه، وعلاقتهم بها علاقة تناغم وتآخ وتفاعل إيجابي، ومن ثم تكتسب أقصى درجات الكفاءة والفعالية، والإحسان إليها عمل من أعمال العبادة فإذا أحسنوا إلى البيئة كانت سببا لنيلهم الثواب العظيم، فمن يزرع زرعا يستفيد منه الطير والدواب فله صدقة، ومن يحسن إلى الطريق بإماطة الأذى عنه فله صدقة، والحيوانات والطيور والدواب بل الجماد تدعو للإنسان كما تدعو عليه، ودخلت المرأة النار ودخلت الأخرى الجنة بسبب موقفيهما من عنصر بيئي.
وطالما أن البيئة التي هي خلق الله على هذا النحو من الأهمية للمسلم خاصة، وللإنسان عامة، حيث لا يستغني إنسان عن البيئة بغض النظر عن عقيدته، لكن أهميتها للمسلم لها جوانب إضافية متميزة، طالما كان الأمر على هذا النحو فعلى الإنسان أن يحسن التعامل معها عليه ألا يفسد فيها وأن يسلك مسلكا رشيدا في التعامل معها.
والمسلم من خلال عقيدته مأمور بحسن استخدام البيئة ومنهي عن سوء الاستخدام وعقيدته تأمره بحماية البيئة والمحافظة عليها وتنهاه عن تدميرها والعدوان عليه، فعقيدته تفرض عليه أن يتعامل مع عناصر البيئة ومكوناتها بحب وتعاون وتمازج، فيحافظ عليها وينميها ويحذر من إفسادها حتى لا يتعرض لسخط الله وغضبه: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (56) سورة الأعراف.
فمقاصد الشريعة الإسلامية ترتبط ارتباطا وثيقا بحماية البيئة والحفاظ عليها من الاستنزاف أو التلف أو الفساد.
ولم يكتف فقهاء الإسلام بما استنبطوه من أحكام ترعى البيئة وتحافظ على طهارتها وتبعد عنها أشكال التلوث والفساد، بل ظهر اهتمامهم واضحاً بدراسة عناصر الكون المختلفة في مؤلفات مستقلة لتنمية الوعي البيئي وتفسير الظواهر الطبيعية، من ذلك على سبيل المثال: كتاب الطير لأبي حاتم السجستاني، وكتاب الجراد لأحمد بن حاتم، وكتاب النحل للمدائني، وكتاب الشاه والغنم للأصمعي، وكتاب الحيوان للجاحظ، وكتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري، وكتاب البستان لجابر بن حيان، والمنية في الزراعة لأبي عمرو الإشبيلي، وكتاب مادة البقاء بإصلاح فساد الهواء والتحرز وضرر الأوباء لمحمد التميمي، ورسالة في الأبخرة المصلحة للجو والأوباء لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي.
وانعكس هذا النشاط المعرفي على التطبيق العملي في المجتمع الإسلامي لرعاية البيئة وحمايتها من الأضرار التي قد تلوثها أو تتلفها أو تفسدها حفاظا على مقاصد الشريعة ومن تلك المقاصد حفظ الدين بإقامة أركانه المجمع عليها، وترك المحرمات المتفق على حرمتها وحفظ الدين على هذا الوجه يرتبط ارتباطا وثيقا برعاية عناصر البيئة التي خلقها الله وسخرها لنفع عباده وأراد لها الاستمرار، وحذر من الاعتداء عليها و محاولة إفنائها.
* الرياض