إعداد - القسم السياسي:
في هذا اليوم الأغر وفي هذه المناسبة الكريمة يسجل التاريخ بأحرف من نور على صفحة ناصعة البياض من صفحاته الخالدة، ذكرى مرور أربع سنوات على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية واختيار الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء.
وخلال هذه الفترة القصيرة استطاعت المملكة ممثلة في قيادتها الرشيدة أن تلعب دوراً محورياً على الصعيدين العربي والدولي حققت خلاله الانفتاح على الآخرين وإحياء مسيرة العمل العربي المشترك وإصلاح ذات البين على المستوى العربي بين العديد من الأطراف العربية المختلفة وتفعيل القضايا العربية لاسيما ما خرجت به القمة العربية التي عقدت بالرياض من قرارات في شأن القضية الفلسطينية وتثبيت المبادرة العربية التي كانت في الأساس مبادرة سلام تبناها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان وليا للعهد واعتمدتها قمة بيروت كمبادرة سلام باسم العرب جميعاً. بالإضافة إلى ما قامت به القيادة السعودية خلال الأعوام الماضية من جهود لحل مختلف القضايا الشائكة في فلسطين ولبنان والعراق والصومال والسودان وتشاد وبما من شأنه أن يلم شمل الأمة العربية ويجعل موقفها موحداً إزاء مواجهة التحديات والأخطار التي تحيق بها من كل جانب.
توحيد الصف الفلسطيني في مكة المكرمة
لم يكن نداء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للفرقاء الفلسطينيين، للقاء مصالحة على الأراضي السعودية في البلد الحرام، المبادرة الأولى من نوعها من جانب القيادة السعودية للم شمل العرب وتوحيد كلمتهم، إذ جاء هذا النداء في أعقاب حركة دبلوماسية سعودية دؤوبة استهدفت فتح كافة قنوات الاتصال الإقليمية والدولية لاحتواء الوضع الإقليمي الذي ينبئ عن إرهاصات أزمات جديدة تبقي المنطقة في حالة عدم الاستقرار. وقد بدأت تلك التحركات بالتنسيق السعودي - الإيراني لنزع فتيل التوتر على الساحة اللبنانية، فضلاً عن إعلان المملكة دعمها لوحدة العراق واستقراره خلال استقبال المسؤولين السعوديين لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس بالرياض يوم 16 يناير 2007م.
قمة (التضامن) بالرياض تحصن الهوية العربية وتعمق الانتماء العربي
في القمة العربية التاسعة عشرة التي عقدت بالرياض يومي 27-28 مارس 2007 تحت عنوان (قمة التضامن) صدر عن القمة (إعلان الرياض) الذي تضمن عزم القادة على العمل الجاد لتحصين الهوية العربية ودعم مقوماتها ومرتكزاتها وترسيخ الانتماء إليها في قلوب الأطفال والناشئة والشباب وعقولهم. وأكد إعلان الرياض العزم على نشر ثقافة الاعتدال والتسامح والحوار والانفتاح والمصالحة ورفض كل أشكال الإرهاب والغلو والتطرف وجميع التوجهات العنصرية الإقصائية وحملات الكراهية والتشويه، بالإضافة إلى ترسيخ التضامن العربي الفاعل في إطار تفعيل مجلس السلم والأمن العربي الذي أقرته القمم السابقة وتنمية الحوار مع دول الجوار الإقليمي وفق مواقف عربية موحدة ومحددة وإحياء مؤسسات حماية الأمن العربي الجماعي وكذلك تأكيد خيار السلام العادل والشامل باعتباره خياراً إستراتيجياً للأمة العربية من خلال مبادرة السلام العربية، وتأكيد أهمية خلو المنطقة من كافة أسلحة الدمار الشامل بعيداً عن ازدواجية المعايير وانتقائيتها.
قمة الكويت تزيل أجواء الخلاف والتوتر
في قمة الكويت التنموية والاجتماعية والاقتصادية التي عقدت في 19-20-1- 2009 عقب العدوان الإسرائيلي الغاشم على (غزة)، تم إجراء اتصالات على هامش القمة لتحقيق مصالحة عربية وتجاوز الخلافات التي أفرزتها أزمة غزة. وشهدت القمة عقد لقاء مصالحة على مأدبة غداء بعد الجلسة الافتتاحية ضم خادم الحرمين الشريفين وإخوانه زعماء مصر وسورية وقطر والأردن والكويت.
وفي كلمته أمام الجلسة الافتتاحية أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله تجاوز مرحلة الخلاف وفتح باب الأخوة العربية والوحدة ومواجهة المستقبل صفا واحدا كالبنيان المرصوص دون خلافلات. وطالب جميع الزعماء العرب بالسمو على خلافاتهم. وقال: إن غزة شهدت مجازر جماعية على يد عصابة إجرامية لا مكان في قلوبها للرحمة. وأكد الملك عبد الله أن مبادرة السلام العربية لن تبقى على الطاولة دائما. وأعلن عن تبرع المملكة العربية السعودية بمليار دولا مساهمة في البرنامج المقترح من القمة لإعادة إعمار غزة.
المصالحة العربية تخيم على قمة الدوحة
في القمة العربية الحادية والعشرين المنعقدة في الدوحة يوم 28-3-2009 والتي خيمت عليها أجواء المصالحة العربية دعا القادة العرب في (إعلان الدوحة) إلى رفض مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق الرئيس السوداني عمر البشير، بالإضافة إلى دعوة الفلسطينيين إلى التصالح. وأكد الزعماء العرب، في إعلان الدوحة دعمهم للسودان في مواجهة كل ما يستهدف النيل من أمنه واستقراره ووحدة أراضيه.
وقال أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في كلمته خلال افتتاح القمة إن الملك عبدالله بن عبدالعزيز حريص على لم الشمل وإصلاح ذات البين على المستوى العربي وتحقيق التضامن العربي وتجاوز أي اختلاف في الرأي بين الدول العربية. وأشار أمير قطر، خلال كلمته، إلى مشاركة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في قمة العشرين، بأنها تمثيل للدول العربية في الاجتماعات التي تستضيفها لندن مطلع شهر أبريل.
الملك عبدالله في قمة العشرين يطالب بتطوير الأنظمة الرقابية وتعزيز دور صندوق النقد الدولي
في قمة مجموعة الدول العشرين التي عقدت في لندن بتاريخ 1-4-2009 ساهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع زعماء الدول المعنية في تبني خطة عمل وسلسلة تدابير ذات أولوية قصوى ينبغي إنجازها بهدف استعادة الثقة بالنظام المالي مع إعطاء وزن أكبر لتمثيل الدول النامية في صندوق النقد والبنك الدوليين. وقد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في كلمته التي ألقاها أمام القمة أن الأزمة المالية العالمية الفريدة في الحجم والنوع وسرعة الانتشار والمخاطر المماثلة تؤكد أهمية التنسيق والتعاون الدولي لإيجاد حلول مناسبة لها ولآثارها. وقال إن هذه الأزمة كشفت أن العولمة غير المنضبطة والخلل في الرقابة على القطاعات المالية أسهمتا في الانتشار العالمي السريع لها، وأن من أهم الدروس التي أتت بها هو أنه لا يمكن للأسواق تنظيم نفسها لافتاً إلى أن الحاجة ماسة وملحة لتطوير الجهات والأنظمة الرقابية على القطاعات المالية وتعزيز دور صندوق النقد الدولي في الرقابة على هذه القطاعات في الدول المتقدمة.
دور سعودي جديد يجمع بين التفاعل والتدخل الحيادي
لا شك أن الدور السعودي (الجديد) تجاه القضايا العربية والإقليمية لم يكن وليد اليوم، بل إن المملكة أصدرت بيانات ونداءات عديدة مثلت سمة مميزة للدبلوماسية السعودية خلال الأعوام الأخيرة، بيد أن هذا الدور قد اتخذ شكلا جديدا مع بداية عام 2007، وهو التدخل الفعلي في الأزمات في إطار (الحياد) دون التحيز لطرف دون الآخر، وهو ما يتسق مع مبادئ السياسة الخارجية السعودية، ومن بينها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
سمات التحرك السعودي
لم يأت التحرك السعودي لإصلاح ذات البين على المستوى العربي وحل الخلافات بين الأطراف العربية أو احتوائها من فراغ، حيث إن التوتر الذي رتبه الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 قد ألقى بتداعيات سلبية عديدة على الأطراف الإقليمية، وفي ضوء تطور الأوضاع الإقليمية بعد ذلك الغزو ازدادت حدة التأثيرات بالنسبة للسعودية نظرا لعدد من الأسباب، يأتي في مقدمتها أن الطرح الطائفي بالمنطقة أضحى أكثر من أي وقت مضى قضية رئيسية، وأن مخاطر الانقسام بين السنة والشيعة تطال كافة الدول الخليجية ومن بينها السعودية.
أما العامل الثاني فهو أن التوترات التي كانت ولا تزال تمر بها المنطقة، تؤثر سلباً على أسواق النفط العالمية، وبالتالي على اقتصاد المملكة، في وقت تسعى فيه القيادة السعودية إلى مواجهة مشكلات التنمية والتحديث في غالبية مناطق المملكة.
ويتمثل العامل الثالث في حالة الخلل القائمة في النظام الإقليمي (الخليجي) بعد خروج العراق من معادلة التوازن الإقليمي، وغياب الكابح الرئيسي أمام محاولات إيران للهيمنة وتعزيز النفوذ، وهو ما يتطلب دوراً جديداً ومؤثراً يعيد التوازن بين مصلحة الطرفين، ويمنع من تفاقم الأوضاع إقليميا، لأن الخاسر الأول هو النظام العربي برمته.
ومن ثم فقد كان هناك إدراك سعودي لوجود فراغ إقليمي تسعى قوى أخرى لملئه، ما يستلزم تحركات دبلوماسية جديدة خاصة وأن نار الحرب الأهلية مشتعلة في العراق، وهي تكاد تلتهب في لبنان وفي الأراضي الفلسطينية.
أبرز أُطُر التحرك السعودي
بوجه عام، يمكن رصد أبرز أطر التحرك السعودي الأخير في النقاط التالية:
أولاً- تغليب المصالح على الأيديولوجيا: حيث أدركت المملكة أهمية بل وحتمية التنسيق مع إيران لاحتواء الأزمات التي تلقي بتداعيات أمنية بالغة الخطورة على المنطقة. وقد اتخذ هذا التنسيق مظهرين، أولهما: استقبال السعودية للرئيس الإيراني وبعض المسؤولين لتنسيق المواقف ودرء المخاطر. وثانيهما: تكوين فريق عمل سعودي إيراني لمساعدة القوى اللبنانية للتوافق على إيجاد مخرج للأزمة الراهنة على الرغم من تعارض المصالح السعودية الإيرانية في هذا الشأن.
ثانيا- انتهاج سياسة التدخل المتوازن: فعلى سبيل المثال، رغم تردي الأوضاع الأمنية في العراق، والذي يعد تحدياً خطيراً للأمن القومي السعودي، إلا أن القيادة السعودية ظلت على المسافة نفسها من جميع الأطراف في العراق. ويجسد هذا الموقف مبدأً سعوديا أصيلا في السياسة الخارجية هو الابتعاد عن سياسة (الأحلاف والمحاور).
ثالثاً- تفعيل قنوات الاتصال مع الأطراف الدولية الفاعلة: وفي هذا الإطار جاء استقبال المملكة لوزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما، ومع التسليم بأن ثمة مصالح اقتصادية بين الجانبين، إلا أن لتلك الزيارة دلالة ذات مغزى هي أن إيطاليا هي الدولة الأوروبية التي استضافت مؤتمر روما لوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، فضلا عن قيادتها لقوات اليونيفيل التي تضطلع بمهمة حفظ السلام على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1701.
رابعاً- الدعم المادي للقضايا الإقليمية: حيث صرح وزير الخارجية السعودي أن بلاده سوف تقدم مساعدات إضافية جديدة للبنان قيمتها 1,1 مليار دولار، وذلك أمام مؤتمر باريس 3 للمانحين، مشيرا إلى أن هذا المبلغ يأتي بالإضافة إلى 100 مليون دولار كانت الرياض قد خصصتها لدعم الموازنة اللبنانية.
وفي كل الأحوال يعد هذا التحرك السعودي الفاعل تجاه الأزمات العربية والإقليمية إدراكاً إستراتيجياً بعيد المدى للمخاطر المحتملة، بما يملي على المملكة أن تكون طرفاً أكثر تأثيراً في شكل ونمط التفاعلات السائدة بالمنطقة. ورغم التحديات التي تكتنف هذا الدور الإقليمي الوليد، فإن صيانة الأمن القومي السعودي، والعمل على استعادة بعض التوازن المفقود في الإطارين الخليجي والعربي، محددان مركزيان يوجبان استمرار السياسة السعودية على خط أن تصبح قوة إقليمية توازن الأدوار الأخرى في منطقة الخليج.
الملك عبدالله وخدمة قضايا أمته
وفي الختام نخلص إلى أن خادم الحرمين الشريفين استطاع بسياسته وقراراته ومواقفه إعطاء المملكة العربية السعودية ثقلاً عربياً ودولياً جديداً ودوراً كبيراً تلعبه، إن على صعيد مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي يوليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أهمية خاصة بحكم موقعها الإستراتيجي وأهميتها الاقتصادية والسياسة والأمنية وبحكم المصير الواحد لدول المنطقة، أو على صعيد دعم التضامن الإسلامي والعربي وتعميق الروابط الأخوية القائمة بين الدول العربية في إطار الجامعة العربية ومؤتمرات القمة العربية وإصلاح ذات البين على المستوى العربي وإزالة الخلافات وتقوية روابط التضامن الإسلامي بين الدول الإسلامية في إطار المؤتمرات الإسلامية.
وكان لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دور بارز في هذه المجالات حيث أسهمت جهوده يحفظه الله، في إرساء دعائم العمل السياسي الخليجي والعربي والإسلامي وصياغة تصوراته والتخطيط لمستقبله.
ومن أجل هذا زار خادم الحرمين الشريفين الدول العربية والإسلامية وحضر العديد من المؤتمرات ومثل بلاده في مؤتمرات القمم العربية والخليجية. وكانت هذه الزيارات بفضل الله ناجحة وانعكست نتائجها بشكل إيجابي على مسيرة التضامن العربي والإسلامي.
ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أياد بيضاء ومواقف عربية وإسلامية نبيلة تجاه القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية حيث استمر على نهج والده المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، في دعم القضية سياسياً ومادياً ومعنوياً بالسعي الجاد والمتواصل لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وتبنى يحفظه الله قضية القدس ومناصرتها بكل الوسائل، وفي هذا الإطار قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تصوراً للتسوية الشاملة العادلة للقضية الفلسطينية من ثمانية مبادئ عرف باسم (مشروع الأمير عبدالله بن عبدالعزيز) قدم لمؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 وقد لاقت هذه المقترحات قبولاً عربياً ودولياً وتبنتها تلك القمة فيما أصبح يعرف ب(مبادرة السلام العربية).
تعزيز الدور الإقليمي والعالمي للمملكة
لقد استطاع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، بحنكته ومهارته في القيادة، تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي سياسياً واقتصادياً وتجارياً، وصار للمملكة وجود أعمق في المحافل الدولية وتأثير قوي في صناعة القرار العالمي، وشكلت عنصر دفع قوياً للصوت العربي والإسلامي في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته، وحافظت المملكة، بقيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -يحفظه الله- على الثوابت واستمرت على نهج الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله، فوازنت بين نهضتها الحضارية وتطورها التنموي والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية وبين علاقاتها مع الدول الشقيقة والصديقة.
وامتدت جهود الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله على صعيد السياسة الخارجية، إلى المشاركة وحضور المؤتمرات الدولية بالإضافة إلى المؤتمرات العربية والإقليمية والإسلامية للتنسيق مع أشقائه قادة الدول العربية والإسلامية في وضع الأسس الثابتة القوية لمجتمع دولي يسوده السلام والأمن والإخاء. وفي الوقت نفسه حرص عدد من قادة ورؤساء الدول العربية والصديقة على زيارة المملكة العربية السعودية والالتقاء بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتبادل وجهات النظر معه ومن ثم الخروج بقرارات ونتائج فاعلة كان لها الأثر الكبير في التوصل إلى كثير من الحلول لما يشغل الرأي العام من قضايا ومشكلات.