موعد المملكة، وطننا الغالي، مع يوم البيعة، يوم مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (يحفظه الله) ملكاً على المملكة العربية السعودية، هو يوم مجيد، يوم تاريخي ومصيري، يوم يجسد بكل فخر واعتزاز، ملحمة ملك مع وطن، ملحمة راعي الأمن والاستقرار والرفاهية مع الوطن، والمنطقة برمتها، والعالم بأسره.
ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تحركت المملكة على كل المستويات الإقليمية والدولية وعبر دبلوماسيات القمم السياسية، ليس وحسب لتعزيز وتوثيق علاقاتها الثنائية والجماعية مع الدول الرئيسة والفاعلة في المنتظم الدولي للحفاظ على مقومات الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي، وإنما لبناء شبكة متواصلة من الشراكات الإستراتيجية العملاقة التي تُسهم في بناء قواعد سياسية واقتصادية وتجارية صلبة من التعاون السياسي والدبلوماسي والاقتصادي المثمر والتفاعلات التجارية الخيرة التي تعود على الوطن والمواطنين بالخير والنفع العميم.
كما حرص الملك عبدالله على بناء قواعد الأمن والسلام والاستقرار من خلال حرصه يحفظه الله على إصلاح الوضع العربي من الداخل والعمل على إنهاء حالات الخلاف والصراع العربي - العربي من خلال دبلوماسيات حميدة ومساعٍ سياسية أخوية ساهمت في حلحلة الكثير من القضايا الخلافية العربية العربية. كما تحمل قيادة المملكة الرشيدة في سياساتها التصالحية وفي جولاتها السياسية الخارجية جميع الهموم والمسؤوليات العربية والإسلامية التي ضمنتها في متون سياستها الخارجية نظراً لارتكاز سياستها الوطنية على قواعد المصلحة العربية والإسلامية العامة وانطلاقها من منطلقات مجمل الأهداف والغايات العربية والإسلامية.
فجولات الملك عبدالله بن عبدالعزيز الخارجية تهتم بالدرجة الأولى بطرح ومناقشة القضايا والمشاكل العربية وسبل حلها بطرق عادلة، بل وتضغط بشدة في سبيل تحقيق الأهداف والمصالح العربية، لا تتوخى من وراء ذلك إلا نصرة الدول والشعوب العربية والإسلامية وحل قضاياها بعدالة. هذا ما رأيناه ولمسناه في جولاته الخارجية يحفظه الله التي بدأها بشكل رسمي فعّال عام 1998م وتتواصل بشكل منتظم ومطرد لتحقيق هدفه الاستراتيجي لبناء شبكة محكمة من العلاقات المتبادلة والمصالح الإستراتيجية المشتركة مع كل الدول التي زارها من مشارق الأرض إلى مغاربها ومن شمالها لجنوبها.
على سبيل المثال لا الحصر، في شهر شوال من عام 1429هـ واصل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تشييد هدفه الاستراتيجي في بناء جسور متينة وجديدة في شبكة المصالح والعلاقات الإستراتيجية السعودية مع الدول العظمى والكبرى والفاعلة في السياسات والعلاقات الإقليمية والدولية. شهدنا هذه الحقائق في الجولات السامية التي قام بها يحفظه الله إلى كلٍ من بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وتركيا نهاية بمصر، مثلت في كمها ونوعها جسوراً من الحكمة السياسية العاقلة والرشيدة هدفها توسعة مجالات وفرص التعاملات والتفاعلات الثنائية والجماعية مع دول وشعوب العالم التي ترتبط مع المملكة بمصالح مشتركة، متبادلة أو مصالح حيوية وإستراتيجية.
بادئ ذي بدء يصعب النظر إلى الزيارة التي قام بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز لبريطانيا أولاً ومن ثم لإيطاليا وألمانيا وتركيا منتهية بمصر بمعزل عن حركة السياسة السعودية الخارجية النشطة في مجال بناء قواعد ثابتة من العلاقات الثنائية المتبادلة.. فالجولة بالإضافة إلى كونها زيارات بروتوكولية رسمية، تنضوي في إطار تسخين العلاقات الثنائية بين المملكة والدول الأوروبية، فإنها أيضاً حرصت على تفعيل تلك العلاقات وتوثيق الروابط الثنائية والجماعية بفتح آفاق ومسارات جديدة من العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية الحميمة ناهيك عن توسعة مجالات التعاون الثنائي المشترك في المجالات العلمية والتقنية والثقافية والتجارية.
جولات الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالإضافة إلى أنها شكلت زيارات رسمية لم يسبق لها مثيل من قبل من حيث مستوى التمثيل الدبلوماسي والسياسي السعودي، فإنها من الجولات التاريخية المصيرية الإستراتيجية لأول مسؤول قيادي سعودي على هذا المستوى الرفيع قام بزيارات رسمية لبعضٍ من هذه الدول خصوصاً بريطانيا وإيطاليا وألمانيا منذ عشرين عاماً تقريباً. الأمر الذي يضع الجولة تلك والجولات في مجملها في منظومة علاقات ودبلوماسيات القمم السياسية العليا التي بمقدورها أن تتحرك سياسياً واقتصادياً وثقافياً وتجارياً في أي اتجاه ترسو عليه سفينة المباحثات والمشاورات الثنائية بين القيادات السياسية العليا.
ولعل المتغيرات الإستراتيجية والتغيرات الحيوية التي أخذت مكانها في منظومة العلاقات الإقليمية والدولية وسياساتها المختلفة مع بداية القرن الحالي فرضت على الدول الواعية تبني أنماطٍ مختلفة من العلاقات والسياسات الحيوية والإستراتيجية مع الدول التي تتقارب معها في المواقف والتوجهات والرؤى السياسية والاقتصادية، حيث تحتل مقدمتها ضرورة البحث عن محاور دولية وإقليمية فاعلة وقوية على كل المستويات وخصوصاً المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية من أجل تحقيق الأهداف والمصالح الوطنية التي لم يعد يتأتى تحقيقها دون الدخول في شبكة متصلة ومتواصلة من التفاعل والتعاون والتبادل الاستراتيجي مع الدول الرئيسة والفاعلة في عرين المنتظم الدولي الحديث.
من هنا فإن المملكة بمكانتها الإقليمية والعالمية، وبثقلها الاقتصادي، وبقدراتها الذاتية الوطنية، لا تختلف عن الدول الرئيسة في المنظومة العالمية والإقليمية من حيث المكانة والمقدرات وخصوصاً فيما يتعلق بوجود إرادة سياسية فاعلة وقادرة ومصممة على تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة التي بدورها تحافظ على مقومات الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي سواء من جانب مخرجاتها في جوانب الأمن السياسي وفي مجالات السياسة الأمنية المشتركة، أو من حيث مدخلاتها في جانب المصالح الاقتصادية المتبادلة التي غدت وجهين لعملة واحدة في عالم التغير وفي قرن المتغيرات.
هذا تحديداً ما يفسر زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لبريطانيا وإيطاليا ومن ثم لألمانيا وتركيا من كونها حلقات جديدة في شبكة الشراكة الإستراتيجية السعودية التي شرع يحفظه الله في بنائها لقرابة عقدٍ من الزمن. فتوثيق ومن ثم تقوية وتفعيل العلاقات بين الدول تتطلب توظيف دبلوماسية القمم السياسية العليا بين القيادات السياسية، فهي وحدها القادرة على فتح آفاق جديدة من مجالات التعاون ومن موازين التحالف في أطر منظمات التكتل الإقليمي والعالمي في عالم لا يقبل إلا منطق وحركة الكتل الكبيرة.
في جميع الجولات الخارجية وتحديداً في جولته لبريطانيا مروراً بإيطاليا ومن ثم في ألمانيا أثبت الملك عبدالله أنه فارس الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي إلى جانب فروسيته المعهودة والمعروفة في عالم الدبلوماسية الدولية وفي عرين السياسات التجارية والاقتصادية العالمية. فحضوره القوي في الفاتيكان الإيطالي يتوازن تماماً مع حضوره الأقوى على ساحة القمم السياسية البريطانية والإيطالية والألمانية.
في هذه اللقاءات أكد يحفظه الله أن متطلبات الحفاظ على أمن واستقرار العالم كله والقضاء على بؤر التطرف والإرهاب والتوتر والصراعات العالمية الدامية لا يتأتى تحقيقها إلا بالحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي كما يفرض ضرورة تعاون كل الدول والشعوب في مكافحة التطرف والإرهاب بل وتكثيف الجهود الدولية في جميع المجالات التي يمكن أن تسهم في تقارب الدول والشعوب وتمنع تباعدها وصداماتها.
بادئ ذي بدء كما أوضح الملك عبدالله لا بد من إيجاد حل عادل وشامل ودائم للصراع العربي الإسرائيلي الذي أوقف المنطقة لا بل والعالم كله على فوهة بركان ثائر. فالسلام العادل وفقاً لمبادئ الإنصاف في مقررات الشرعية الدولية يصون جميع حقوق الأطراف المعنية بالصراع ويبني قواعد الأمن والاستقرار ويعمل على منع نشوب الصراعات واندلاع الحروب.
بل إن حرص الملك عبدالله على إحلال أجواء الأمن والسلام العالمي والإقليمي يعكس تأكيده في جميع تحركاته وتصريحاته السياسية أن المنطقة العربية في الوقت الراهن تمر في أخطر وأحلك أوقاتها بعد أن هيمنت حمم من التوتر وغيوم من الصراعات على أجوائها السياسية، وهو وضع يتطلب تكثيف وتفعيل كل الجهود الإقليمية والدولية لمنع تصعيد أزمات المنطقة إلى حافة الهاوية. من هنا فإن جولات الملك عبدالله من مشارق الأرض لمغاربها ومن شمالها لجنوبها تعكس ومن ثم تؤكد ذلك الحرص الخالص المخلص النقي الهادف إلى إحلال الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة التي بدورها تضمن بل وتحقق الأمن والاستقرار والسلام العالمي.. فجميع الأزمات والصراعات العالمية ومن ثم الإقليمية في حكم منطق الملك عبدالله السياسي العاقل لا يمكن حلها إلا بالحلول الكلية العادلة.
ولا شك أن التزامن التسلسلي في عامل الوقت أو الزمن في زيارة الملك عبدالله إلى بريطانيا وإيطاليا وألمانيا مع زيارته لتركيا، وحضوره ومشاركته في القمم السياسية العليا مع رؤسائها وقادتها ترجمة حية ومخلصة لتوجهات المملكة السلمية وحرصها على حضور الواقع العربي الإسلامي الملموس في الساحة الدولية، ليس وحسب ليكون البادئ في تفعيل سياسات التقارب الإسلامي - الغربي، وإنما لتفعيل عامل التقارب بين القيادات الإسلامية وقيادات الدول الغربية الذي ينعكس إيجاباً على علاقات التقارب بين شعوب هذه الدول. فالعالم الإسلامي والعالم الغربي في حاجة ماسة اليوم إلى إعادة ترتيب صفوفه وتنظيمها، وفي حاجة قصوى إلى التقارب والتعاون بل والتحالف لمواجهة المخاطر الأمنية التي تهدد كيان العالم بل وتنذر بتقويض معظم مقومات بقائه.
هذه هي الحقيقة التي يجب أن تعيها جميع دول وشعوب العالم التي لاحت بوادرها في الأفق منذ أن انتهت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ومعها انتهى عصر القطبين المتنافسين الذي كان يتسم بالتوازن بين قوى دوله العظمى الرئيسة. فنهاية النظام العالمي القديم لم تتبلور تبعاتها في تكوين نظام عالمي جديد بمتزن وبوضع عالمي معتدل أو حتى متوازن من خلال إنشاء منتظم عالمي أكثر عدالة وإنصافاً بل وحرية للدول الأعضاء فيه.
ما حدث كان النقيض من ذلك تماماً، إذ لم تعد مصالح الدول يمكن تحقيقها أو الحفاظ عليها الحقيقة التي يعيها الملك عبدالله ويؤكدها للعالم كله تشير إلى أن جميع العلاقات التاريخية الإستراتيجية منها والحيوية التي كانت تربط بين معظم دول العالم شهدت اهتزازاً عنيفاً بفعل تلك الهزة الإرهابية التي ضربت وهزت أمن واستقرار العالم كله في صباح الحادي عشر من شهر سبتمبر عام 2001م، ومن ثم أضرت بمصالح دوله وشعوبه برمتها. لذا كان لا بد أن تتبع تلك الحقبة السوداء الداكنة فتح حقبة سياسية دولية وإقليمية واعدة بمد جسور دبلوماسية تعاونية إقليمية ودولية تعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي وتضعها في موضعها الصحيح بفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الإقليمية والدولية بعد أن اتضحت حقائق وغايات جماعات الإرهاب الضالة التي خرجت على قوانين كل التشريعات السماوية والشرعيات الدولية.
وهذا بدوره ما يفسر جولات الملك عبدالله الدولية ومن ثم الإقليمية التي من أهم أهدافها تحقيق التقارب العربي الدولي وتنمية مجالات التعاون والتفاعل الإيجابي بين الطرفين في جميع المجالات خصوصاً في مجال الحرب العالمية على الإرهاب التي تعد من أهم ما تحتويه الأجندة السياسية والأمنية السعودية بعد أن تأكد العالم كله حقائق ما سبق وأن حذرت منه المملكة من كون هدف الإرهاب هدفاً عالمياً وليس هدفاً إقليمياً فقط.
إن سياسة المملكة الخارجية الواقعية ومواقفها المشرفة ومساعيها الدبلوماسية الحثيثة والمتواصلة نتاج متوقع لسياسات قيادتها الرشيدة التي تعكسها جميعاً جهود الملك عبدالله السياسية الحثيثة في هذا الوقت بالذات لتفعيل وتنشيط سياسة المملكة الخارجية في المجالين الإقليمي والدولي للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي وتقوية مقوماتهما الفردية والجماعية ومن ثم دفع حركة السلام وعمليته التي توقفت منذ سنوات بعد أن تعرضت لشتى أنواع التخريب السياسي المتعمد. محصلة القول إن الجولات والقمم السامية للملك عبدالله على كل المستويات الدولية والإقليمية عربية كانت أم خليجية جاءت في زمن استراتيجي مهم يرتبط بقرب وقت التعامل مع جميع الاستحقاقات الإقليمية والدولية بشيءٍ من الواقعية السياسية التي من شأنها أن تضع النقاط على الحروف في جميع الأمور والقضايا التي تتعلق بتحقيق الأهداف والمصالح العربية في منتظم دولي جديد لا بد أن تؤدي فيه الدول العربية الرئيسة والمحورية دوراً فاعلاً ورئيسياً كي يغدو بمقدورها قفل وإنهاء كل الملفات التي استعصت عليها من قبل بأقل تكلفة ممكنة، فيما تحقق من جراء قفلها أقصى منفعة ممكنة.
www.almantiq.org