تخوض الدولة الباكستانية اليوم، أشرس المعارك، وأعتى الحروب. والحكومة الباكستانية وشعبها، لا يخوضان هذه الحرب المدمرة، مع الجارة اللدودة الهند، ولا مع دولة أخرى من دول الجوار، حيث لا تقع حروب شرسة كهذه عادة.
إلا مع عدو خارجي يستبيح الحدود الدولية، ويهدد وحدة الدولة وكيانها وأمنها، ولكن حرب الباكستان ومعركتها المصيرية، هي مع فئة من الشعب الباكستاني نفسه، ومع شريحة ارتضت أن ترث طالبان أفغانستان، وأن تنفذ سياسة القاعدة الإرهابية، الرامية إلى تفتيت المجتمعات العربية والإسلامية، وتشتيت الدول والحكومات، حتى يخلو لها الجو، لتعبث بالعباد، وتعيث في البلاد، وتمارس التخريب الفكري المنظم، ضد حياة الناس، وضد حرياتهم واختياراتهم وقناعاتهم، فالتخريب والتدمير، هو العنوان البارز لفكر وتوجهات الفكرة الطالبانية، سواء كانت في سوات باكستان، وفي قندهار أفغانستان، أو في الصومال، وفي مجتمعات عربية آسيوية وأفريقية.
* طالبان باكستان، أو طالبان أفغانستان، أو طالبان في كل مكان، ليست أكثر من كيانات هلامية ظلامية، لا يجمعها جامع سوى الحمق والجهل والتخلف، ثم النزعة السادية نحو القتل والذبح والتخريب ومعاداة المدنية، والعمل بكل ما أوتيت من قوة، لمناهضة أية فكرة إصلاحية تقدمية، والنكوص بالأمة إلى الخلف، وإذكاء بؤر التوتر والفتن والاقتتال، انطلاقاً من دعاوى دينية باطلة، وحجج شرعية متهافتة، فمن الصعوبة بمكان في حالة كهذه، تغيير هذه الصورة النمطية، القائمة على الجهل والتخلف. اثنان لا يغيران رأيهما: الجاهل والموت.. (لوك).
* يبدو أن الباكستان اليوم، تدفع ثمناً غالياً نظير تبنيها هذه الفكرة التطرفية منذ عقود ثلاثة. إنها في واقع الأمر، تُجازى بمثل ما جوزي به سنِّمار الشهير، فهي التي فتحت المدارس الدينية آنذاك، وفتحت الطريق إليها أمام مؤدلجين قادمين من عرب آسيا وعرب أفريقيا على السواء، الذين وجدوا أرضاً خصبة لزراعة وولادة الفكرة الطالبانية المتشددة، ومن هذه المدارس، انطلقت طالبان أفغانستان، التي وصلت إلى كابول على جماجم الشعب الأفغاني، وصدّق الطلبة المدججون بالأسلحة الغربية، أنهم يجيدون العمل السياسي، حتى وقعت الواقعة، فكانوا هم أول من احترق بنار الجهالات التي نشروها في الأرض الأفغانية، وما زالوا مع غيرهم من الأبرياء، يصطلون بهذه النار الحارقة.
* إن الفكرة الطالبانية على أية أرض كانت، تعتقد أن غيرها من كافة الناس في نار جهنم، وهي وحدها في الجنة، ثم تلزم نفسها بالوصاية الجبرية على البشر، وأن من أهم واجباتها، حمل الناس على خطها الظلامي، وإباحة التعدي والحجر عليهم، والعمل لجرهم وسحبهم وسوقهم من ذقونهم إلى الجنة.. شعارهم كما نعرف منذ سنوات مضت وإلى اليوم: (قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار).
* ظهرت طالبان أفغانستان، من رحم المدارس الدينية الباكستانية ابتداءً، فسرعان ما انقلبت على جغرافيتها الوطنية والاجتماعية، فراحت تخرِّبها وتدمِّرها، وتفتت كياناتها، وتجزيء أوصالها، وتشرد سكانها، وتذبح نساءها وأطفالها، وتقطع ما عليها من أخضر ويابس، وهاهي طالبان الباكستان تفعل الشيء نفسه، لأن العقلية واحدة، والفكرة واحدة، والأهداف واحدة. عادة ما يُتخذ الدين ستاراً لأغراض شخصية أو سياسية، وفي كثير من الأحيان، يُستخدم الدين، للتغطية على عاهات تظهر في الواجهة، فلا يستر عوارها سوى الادعاء بالدين.
* أينما تكون دلائل التشدد والتطرف، تكون ثمة منابت طالبانية خصبة، تهيء لبيئات موغلة في التوحش، تفرخ الصِّغار من أهل الصَّغَار، فلا يسمع الناس منهم، إلا أخبار القتل والذبح والدمار، فالمأسورون والمفتونون بالفكرة الطالبانية، غالباً ما يظهرون وكأنهم يعيشون في غير عصرهم، وهم لا يتورعون عن قتل المصلين في المساجد، وهدم دور الفقراء على رءوسهم، وخطف الأطباء والممرضين وموظفي الإغاثة والإعاشة، أولئك الذين ما جاءوا إلا لخدمات إنسانية بحتة، ومن ثم تعذيبهم وقتلهم، تقرباً إلى الله - زعموا - وإذا حجروا على غيرهم من الناس، وضيقوا عليهم، ادعوا أن هؤلاء أهل ضلالة، وان مصيرهم النار، وهم وحدهم بأيديهم مفاتيح الجنة..!،
* الحركات الطالبانية في كل مكان - طالبان باكستان نموذجاً حياً - تحرم ما لا يحلو لها من تقنيات ومعطيات عصرية، ولكنها تحل ما يحلو لها من نفس المنتج العصري، فهي تستخدم الكلاشنكوف والقنابل والسكاكين في قتل وذبح الناس، ولا ترى في هذا بأساً، وتفجير أكثر من مسجد في الأراضي الباكستانية، وقتل المئات فيها، واغتيال العلماء وأئمة المساجد المعتدلين، هو أمر مباح في العقلية الطالبانية.
* الباكستان لا تقاوم دولة عدوة، لكن ها تقاوم فكرة متبلدة ومتصحرة.. فكرة إرهابية اسمها طالبان أو (خاربان) على الأصح.
assahm@maktoob.com