ممارسة التفكير تنطوي على قدر غير ضئيل من العسر مما كان له بالغ الأثر في إقعاد الوعي وزيادة معدلات الإهمال للقوى الذهنية فلا نجنح إلى التفكير إلا عند انسداد الآفاق وانعدام مسارات الانعتاق، لا نلجأ إليه إلا في أضيق الحدود. ما نعانيه من عوز مدقع في التفكير كانت له انعكاساته السلبية التي نلحظها متمثلة بجلاء في وهن الأداء وانحسار الكفاءة التفكيرية إلى أدنى حدودها.
الإشكالية التي تعاني منها الأكثرية أنهم حين الشروع في التفكير يكون جُلّ غايتهم هو العثورعلى أفضل الحلول وفي برهة زمنية في منتهى الإيجاز فحينما يفكر الفرد - مثلاً - في إقامة مشروع تجاري تتقافز إلى ذهنه مباشرة المعلومات المتعلقة بالمشاريع المماثلة وتبدو أمام ناظريه صور الذين أحرزوا نجاحاً منقطع النظير في هذا المجال وأيضاً صور الذين باءت محاولاتهم بالفشل ومنيت بالإخفاق الذريع فيبدأ يقدّم رجلاً ويؤخّر أختها مراوحاً الرأي بين الإقدام والإحجام ويدلف الوعي في عمليات حسابية طويلة وفي إجراء المقارنات وبعد أزمنة متطاولة المدى من التفكير قد يزيل الفكرة تماماً من ذهنه لأنه لم يتسن له ملامسة جدواها، أو قد يقدم عليها لكن بدون شعور تام بالقناعة. ومن هنا فإن تنظيم التفكير وترشيد آلياته يساهم وعلى نحو ملموس في اتخاذ الإجراءت الصائبة. ومن أبرز خطواته ما يلي:
أولاً: تأمين أكبر قدر معلوماتي ممكن يتعلّق بالقضية أو المشروع مجال التفكير. استقصاء المعلومات ومحاولة التزود بالبيانات والحيثيات ذات العلاقة ومن ثم ابتلاء حظها من الدقة واستكناه رصيدها من المصداقية وفرزها بشكل دقيق ضرورة أولية في هذا السياق.
ثانياً: تحسس الموقف الشعوري الذاتي من تلك القضية محل التفكير فيجري تحييد الأحاسيس الوجدانية إرهاصاً لمعالجة عقلانية محضة، حينما تسيطر على الفرد رغبة جامحة في اقتناء سيارة مثلاً فإن العاطفة تحرض العقل نحو الاشتغال على استيلاد المعطيات التي تحدو لشرائها والعكس كذلك ولذا فإن المحاكمة العقلية هي الأساس في هذا المجال.
ثالثاً: في بعض السياقات يكون ثمة وفرة ملحوظة في الخيارات ومن ثم يتحتم البحث عن الخيار الذي ترشحه المعطيات الموضوعية. وليس ثمة من خيار إلا وتتنازعه المتناقضات، الإيجابيات من جهة والسلبيات من جهة أخرى، الشأن الذي يملي ضرورة مباشرة عمليات العصف الذهني المتمحورة حول ما يتسم به المشروع من إيجابيات وما يحتوي عليه من عناصر السلب. كل واحد بمفرده على حدة بحيث يتم امتحان كل ما يتناهى إلى الذهن من خواطر إيجابية وتسليط أضواء الوعي عليها لتجلية حقيقتها الذاتية وعلينا أن نقوم بمثل ذلك إزاء الأفكار السلبية. التعاطي على هذا النحو يجنبنا الانسياق خلف أفكار الإيجاب ويولد لدينا مناعة ضد الانقياد لإملاءات أفكار السلب.
رابعاً: ضرورة التجافي إبان ممارسة التفكير عن الأدبيات البيئية السيئة والمعيقة للعقل عن الانطلاق كتلك العادات الفكرية المعزّزة للرؤية الحدية الأحادية المتصلبة والمختزلة في ثنائية ضيقة فكثير من الأفراد يكون مستقطباً بين خيارين لا ثالث لهما إما أن يقدم ويعمل أو ينسحب ويحجم. إنه لا بد من الانفتاح على أكبر عدد متاح من الخيارات مع ضرورة توطين الذات على تحمل ما يمكن أن ينجم عن ذلك من أعباء إضافية.
خامساً: بعد الانتهاء من صياغة الأفكار وانضاجها تأتي عملية التقويم لها ومدى قابليتها للتجسيد والتعرّف على مدى توافر الموارد والإمكانات اللازمة لذلك المشروع.
Abdalla_2015@hotmail. com