لا بد أن العالم أجمع كان أمام شاشات التلفاز ظهيرة اليوم الذي اعتلى فيه براك أوباما منصة جامعة القاهرة في محطته العربية في مصر يتابعه بتأمل ورهبة وخوف وأمل في الوقت ذاته وهو يضع وينص في خطابه للعالم أساسيات الموقف الأمريكي والتي أكد أنها ستكون كما هي في الخفاء والعلن وستلتزم بها أمريكا أمام العالم أجمع (وهذا أملنا).
بدأ خطابه المرتجل ولمدة ليست قصيرة من الزمن مقنعاً وعميقاً وملماً بجوانب عديدة وعميقة من العالم الإسلامي بكل أطواره وفئاته وظروفه.. كان صريحاً وصادقاً (كما بدا) في وصفه العلاقة الأمريكية الإسلامية والنظرة العربية إلى القيادة الأمريكية ومشاريعها في الشرق الأوسط ومدى الهوة بينهما وأكد على ضرورة مراجعة الكثير من الأمور وعدم العيش في الماضي لأن البقاء فيه يعرقل السلام والحوار، لا بد من إعادة صياغة لهذا العالم الذي نتشارك العيش فيه وهذه المسؤولية في التغيير هي التي يجب أن يقوم بها الشباب وقد استشهد في مرات عديدة في خطابه بآيات من القرآن الكريم انتقت بعناية فائقة لتتلاءم مع الموقف وأكد مرارا أنه لا يوجد أي تناقض بين التنمية والحفاظ على الأصالة والتقاليد.
لا بد أن قدوم أوباما وفي الفترة الأولى لانتخابه رئيساً للولايات المتحدة لخطوة جريئة وشجاعة وزيارته للمملكة العربية السعودية لطلب المشورة -كما صرح بذلك- من خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في ديار مهد الديانات لخطوة مباركة وتحول مهم في نهج الفكر الأمريكي الذي بقي لسنوات كالقطار يسير في سكة لا تحيد يميناً أو شمالاً ولا تتمدد أو تنكمش وفي غمرة ضجيجه لا يمكن أن يسمع إلا هو.
{...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...} بهذا استشهد أوباما وبمبادرة خادم الحرمين لحوار الأديان والتي انطلقت من أرض المملكة لتشمل العالم أجمع وهي نوايا صادقة للتوصل لبداية جديدة في تحقيق تغير حقيقي وتبادل على كل الأصعدة منها تواصل الشباب والأطفال في أمريكا والعالم الإسلامي وتبادل المنح الدراسية.
من القضايا السبعة التي ناقشها خطاب أوباما قضية المرأة وأحقيتها في التعليم وممارسة طقوسها وحقوقها الدينية كارتداء الحجاب الذي سيعمل أوباما على منحها هذه الحرية في بلاده (سننتظر ونرى) وكذلك الحريات الدينية الإسلامية الأخرى كالزكاة على سبيل المثال مما سيعلي روح الحوار والتعايش تلك الروح التي نحتاجها اليوم لتحقيق هذا التواصل بين أمريكا وعالمانا الإسلامي وأكد على ضرورة ممارسة الديمقراطية في عالمنا والتي ليس لأمريكا سبيل في تطبيقها داخل الأنظمة التي تحترم أمريكا استقلاليتها وخصوصيتها.
كان الرجل الرئيس في منتهى الصراحة والصدق حين أكد علاقة بلاده الأزلية بإسرائيل والتي حسب قوله لا يمكن أن تنكسر أو تتزعزع (هذا مفروغ منه) وبالرغم من هذا أكد على دعم بلاده الشعب الفلسطيني في إقامة دولته (نأمل هذا) وأكد على إسرائيل ضرورة احترام حق الفلسطيني في العيش على أرضه، ووقف الاستيطان وقد أكد على الطرفين خيار الدولتين كما أشار لضرورة وقف الخلافات الفلسطينية نفسها (يا رب).
حول جوانتنامو أعلن أوباما أنه سيغلق هذا المنفى الذي صار رمزا للتعذيب والإبعاد وقد أكد أيضا على ضرورة عودة الجيوش من العراق إلى بلادها لممارسة حياتها الطبيعية والالتقاء بأهلها بعد استقرار أحوال العراقيين الذي اعتبر أوباما أن حالهم أفضل بكثير من حالهم إبان الحكم الصدامي (الله أعلم). هناك تحديات مشتركة تقع على الجميع في رسم صورة جديدة وتواصل راقٍ يبعد التوتر والصراعات والنظرة السلبية من جانب كل طرف للآخر.
هل لي في نهاية هذا التفاؤل الأمريكي العربي أن أطرح بعض هذه الأسئلة على الرئيس الواعد بالحوار والتواصل والسلام الأمريكي الإسلامي، هل من الممكن سيدي الرئيس بعد هذا الخطاب الذي سمرنا وبكل حواسنا أمام الشاشات التي نقلته أو في المقاهي التي عجت بمرتاديها وعم الصمت ودخان الأراجيل التي كانت تفرغ النيران المتقدة في جوف أصحابها.. كما لمسنا التفاعل مع الخطاب في أرجاء القاعة الجامعية التي شهدته والذي سيدونه التاريخ ان أطرح بعض الأسئلة القليل جدا منها: عندما أفكر بزيارة دياركم هل سيكون الأمر سهلاً دون أية صعوبات في الحصول على الفيزا والتنقل في الولايات؟ عندما سيطال غزة والأراضي الفلسطينية ما طالها من تعذيب وقتل هل ستحظى تلك الديار بنصركم وتأييدكم لوقف أعمال العنف ثم تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي وعدم استخدام حق الفيتو في إبطال المشاريع الدولية الداعية لنصرة هذا الشعب؟ هل سيحظى العرب والمسلمون المقيمون في دياركم بالاحترام والأمن؟ هل سينظر مستشرقوكم ومثقفوكم إلى فكرنا باحترام وإلى بلادنا أنها ليست من العالم الثالث فكرياً ومعرفياً على الأقل؟ هل ساستطيع الدفاع عن رسولي وقرآني حين تطاله بعض الأيادي بالتشويه والتشهير كما حدث في الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية؟ أنا شخصياً لمست حرص الرئيس الأمريكي الجديد على مد جسور الحوار والثقة أيضا واحترام المشروع الإنساني الكبير الذي بدأ به خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله للحوار والسلام.
من آخر البحر لفريدريك نيتشة
- لا تمش في طريق من طرق الحياة إلا ومعك سوط عزيمتك وإرادتك لتلهب به كل عقبة تتعرض طريقك.
- لا تنجح أمور ما لم تكن وراؤها نفوس تضج حيوية.
maysoonabubaker@yahoo.com