منذ قيام ثورة الخميني في إيران قبل نحو ثلاثين عاماً لم تشهد الثورة محكاً حقيقياً كما تشهده اليوم نتيجة صدام بين أقطاب الثورة أنفسهم بعد الانتخابات التي خلقت اصطفافا واضحاً كان سببه الرئيسي تفرد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية (علي خامنئي) بالقرار السياسي والإبقاء على أحمدي نجاد كرئيس لفترة ثانية على الرغم من كل ما قيل عن تزوير وتلاعب بأصوات الإيرانيين.
الفرق هذه المرة أن الصراع أصبح داخلياً وبأدوات الملالي أنفسهم وإذا كان الحرس الثوري أو كما يسمى بحرس الثورة قد أبدى الاستعداد لسحق أي مظهر من مظاهر الاحتجاج أو التظاهر السلمي إلا أن الشرخ بات عميقاً بين أقطاب اللعبة السياسية الإيرانية مما يشي بمستقبل ضعيف لحكومة أحمدي نجاد قد يجعلها تغامر بخلق مشكل إقليمي جديد هرباً من مشاكلها الداخلية ومحاولة لتوحيد الصف الداخلي الذي انقسم بين شباب يبحثون عن أصوات تم تجاهلها وبين راديكاليين لا يعرفون سوى القمع والقمع فقط لجعل العجلة الإيرانية تسير دون اهتزازات.
ولعل ما يثير الاهتمام هو انحياز (علي خامنئي) إلى أحمدي نجاد وتجاهله لإرادة الإيرانيين وهي الخطوة التي فسرت كنوع من الغباء السياسي من قبل خامنئي الذي وضع شرعيته على المحك نتيجة تحوله إلى درع واق يحول بين نجاد والمطالبين بعودة أصواتهم المسلوبة، الأمر الذي يعيد إلى الطاولة النقاش حول إمكانية خلع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بواسطة (مجلس تشخيص مصلحة النظام) وهو الأمر الذي يبدو أن هاشمي رفسنجاني يبحث عنه منذ فترة طويلة بعد أن تحول رفاق الأمس إلى أخصام اليوم ولو بشكل مستتر.
فبحسب تقارير صحفية فإن رفسنجاني بدأ يخطط مع كبار (آيات) مدينة قم التي يزورها منذ عدة أيام، لتشكيل مجلس قيادة جماعي للبلاد بدلاً من ولي فقيه واحد كنوع من المخرج لحل الأزمة التي أفرزتها نتائج الانتخابات.
وهو انقلاب في العلاقة بين الرجلين اللذين كانا يتقاسمان صناعة القرار في إيران في سنوات خلت حيث كان خامنئي يشغل رئاسة الجمهورية بينما كان رفسنجاني رئيساً لمجلس الشورى بحيث توطدت العلاقة بينهما لدرجة جعلت القرار السياسي الإيراني لا يتم تظهيره إلا بعد التنسيق فيما بينهما ما أدى في النهاية إلى تهميش مير حسين موسوي (المنافس الحالي لنجاد) وإلغاء منصب رئيس مجلس الوزراء الذي كان يشغله موسوي آنذاك.
بعد هذا السياق التاريخي لملف التعاون والصراع بين الملالي في طهران يتبادر إلى الذهن سؤال كبير:
ما هو المخرج من هذه الأزمة؟
في نظري أن الحل لن يخرج عن ثلاث أطروحات:
1- الإبقاء على نجاد كرئيس (على الرغم من انه سيكون ضعيفاً نظراً للتشكيك بمشروعية إعادة انتخابه) مع قمع التظاهرات والقيام بمزيد من الاعتقالات.
نتائج ذلك: استمرار الجدل السياسي والشعبي وربما تحول التصعيد إلى مسار وشكل جديدين.
2- إعادة منصب رئيس مجلس الوزراء كمحاولة لاحتواء موسوي وامتصاص غضب أنصاره.
نتائج ذلك: تهميش لأحمدي نجاد والحد من صلاحياته وإضعاف لدور المرشد الأعلى وتقوية مركز رفسنجاني بشكل كبير.
3- إعادة الانتخابات أو إعادة فرز الأصوات بشكل جزئي أو كلي.
نتائج ذلك: الطعن في مصداقية أجهزة النظام والإقرار بوجود تلاعب بأصوات الناخبين تحت مظلة هذه الأجهزة ما يؤدي إلى فقدان المواطن ثقته بها مستقبلاً.
أما النتائج الكلية لكل ما حدث ويحدث حالياً فهي خلق واقع جديد مشابه إلى حد كبير لما حدث في الأنظمة الشمولية التي انفجرت من الداخل نتيجة أزمات مشابهة، وقد يكون ذلك بداية النهاية لنظام الملالي بصورته الحالية أو تحوله إلى نظام معلب بطريقة أخرى.
وهناك مؤشرات كثيرة لاحظها كل من تابع سير الأحداث في إيران تؤكد هذه النظرية, لعل من أبرزها تجاهل المتظاهرين دعوة خامنئي بوقف التظاهرات وهو الشخصية التي يصفها الإيرانيون بالقائد و(وكيل الإمام المنتظر)!
almurshedi@hotmail.com