الرياض - خاص بـ(الجزيرة)
أكد باحث شرعي أن من أبرز ما تميز به الإسلام السماحة، حيث كانت سماحة الإسلام من أهم أسباب انتشاره، ومن عوامل تمسك المسلمين به، فلم يُكره الإسلام أحداً على الدخول فيه، ولم يأمر أتباعه بالضغط على غير المسلمين طمعاً في اعتناقهم له، بل بين السماحة التي ينبغي التعامل من خلالها مع غير المسلمين، سواء كانوا كفاراً أو أهل كتاب، وقد جاءت النصوص الشرعية المبينة لتلك السماحة في الكتاب والسنة.
جاء ذلك في حديث للدكتور خالد بن إبراهيم الرومي الأستاذ المشارك في قسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عن (سماحة الإسلام في السنة النبوية)، عارضاً فيه عدة جوانب عن هذه السماحة في الدعوة إلى الإسلام وعقيدته، وفي المعاملات.. حيث أفاد في مستهل حديثه عن هذا الجانب، أن المعاملات بين الناس تقوم على المشاحة، والخسارة، والاختلاف بين كل طرف، فالبائع يريد أن يبيع بأعلى سعر، والمشتري يرغب في الشراء بأقل سعر، وصاحب الدين يريد الحصول على دينه، والمدين قد يتعسر في سداد دينه، ثم إن البائع والمشتري قد يرجع أحدهما في البيع والشراء.
وفي ظل المشاحنة تأتي الشريعة الإسلامية بسماحتها، ويسرها في المعاملات، لتوجه المجتمع الإسلامي إلى فضل السماحة في التعامل مع الناس، مستشهداً فضيلته بعدد من نصوص السنة النبوية على فضل السماحة في البيع والشراء فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة لمن كن سمحاً في بيعه وشرائه واقتضائه ففي الحديث عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى).
وجاء في السنة أيضاً أن السماحة في البيع والشراء والتقاضي سبب لمغفرة الله، ففي رواية للترمذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلاً إذا باع، سهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى).. والسماحة سبيل لمحبة الله- عز وجل-، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: (إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء).. والسماحة في المعاملة في البيع والشراء سبب لدخول الجنة، ففي الحديث الشريف عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (أدخل الله الجنة رجلاً كن سهلاً بائعاً ومشتيراً).
ومن صور السماحة في حسن القضاء ما جاء في السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان لرجل على النبي -صلى الله عليه وسلم- سن من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: أعطوه، فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سناً فوقها، فقال: أعطوه، فقال: أوفيتني أوفى الله بك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن خياركم أحسنكم قضاء) وفي رواية: أن رجلاً تقاضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال: (دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً، واشتروا له بعيراً فأعطوه إياه).
وأكد فضيلته أن السماحة في المعاملات تقطع دابر كثير من الخصومات والمنازعات، مشيراً إلى أن صاحب السماحة لا تطيب نفسه بأن يحصل حقاً لم تطب به نفس الطرف الآخر، فيؤثر التنازل أو السماحة وإن كان الحق له، وإن إنظار المعسر أو التجاوز عن القرض أو جزء منه صورة عظيمة من صور الكرم وسماحة النفس، بل إن توفيق الدنيا والآخرة مرهون بتيسيرك على أخيك المعسر، وقد جاء في الحديث: (من يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر برد القرض بخير منه وبالزيادة عليه.
وعن السماحة في الديون والحقوق، قال الدكتور خالد الرومي: دلت الأحاديث النبوية على فضل السماحة والتجاوز في الديون والحقوق، فعن عبدالله بن أبي قتادة أن أبا قتادة طلب غريماً له فتوارى عنه ثم وجده فقال: إني معسر، فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر، أو يضع عنه)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنظر معسراً أو وضع عنه، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله).
وجاء في فضل إنظار المعسر، عن بريدة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أنظر معسراً كان له بكل يوم صدقة، ومن أنظره بعد حله كان له مثله، في كل يوم صدقة)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كان الرجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسراً فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا قال: فلقي الله فتجاوز عنه).
وخلص الباحث الدكتور خالد الرومي إلى القول: إنه من خلال ما سبق تتضح سماحة الإسلام في المعاملات من خلال السماحة في البيع والشراء والتقاضي والسماحة في الديون والحقوق، ومع التأكيد على سماحة الإسلام في العبادات تترسخ وتتأكد سماحة الشريعة الإسلامية وأنها جاءت باليسر والرفق والسماحة والتيسير.