Al Jazirah NewsPaper Friday  26/06/2009 G Issue 13420
الجمعة 03 رجب 1430   العدد  13420
أرواح مغردة
خريطة المشاعر

 

يحكى في التراث الياباني أن أحداً تحدى معلمه ليشرح له ما الجنة؟ وما النار؟ فأجابه المعلم: (إنك غير جدير بوقتي وبالتالي فلن أضيع وقتي معك أو مع أمثالك!)، صرخ الرجل في جنون وسحب سيفه وأوشك على الانقضاض على معلمه قائلاً: (أريد قتلك على هذه الإهانة) فأجاب معلمه بهدوء وسماحة: (هذه هي النار) فاجتاحت الرجل رهبة حين أدرك صدق معلمه في وصفه للغضب الجامح الذي سيطر عليه، فهدأ وأغمد سيفه واعتذر لمعلمه بأدب جم، وهنا قال المعلم: (وهذه هي الجنة)!

تكلمت في مقال سابق: (الميزان المعطل) عن سبب غياب البعض عن وعيه بذاته، وفي هذا المقال صلة لما سبق، فمن أكبر موانع الوعي بالذات هو (الانفعال)، لأن القشرة المخية ينخفض عملها فسيولوجياً كلما ازداد الانفعال! فإذا ضعف العقل في ضبط العواطف، اتجهت العواطف في دروب مجهولة كمن يغامر في دخول كهفٍ لا يعرف كيف يخرج منه، وفي النهاية قد يموت فيه!

إن الوعي بالذات يحتاج إلى أن يتحدث الإنسان مع مشاعر نفسه، وأن يفسر سلوكه وفقاً لهذه المشاعر، أي أن تسأل نفسك: ما شعوري تجاه تحصيلي لمادة الكيمياء (ممتاز - مرضي - سيء) مثلاً؟، فإذا اخترت (ممتاز)، فكيف تفسر عدم استطاعتك لحل 30% من أسئلة الكتاب (وهذا سلوك)؟

وبالإجابة الصادقة (بنفسك) عن (نفسك) يحصل عندك الوعي فقد تحتاج أن تغير تقييمك من (ممتاز) إلى (مرضي) فإذا وصلت إلى هذه المرحلة فثق تماماً أنك لن تغضب من أحد يقول لك أنت (غير متفوق) في الكيمياء، ولن تطير فرحاً عندما يقال: (أنت عبقري الكيمياء)!

فهما خطوتان لنصل إلى الوعي: الأولى: تحدث مع مشاعرك تجاه شيء ما، الثانية: فسر سلوكك على ضوء مشاعرك، وبالإجابة الصادقة تعرف موقعك من خريطة المشاعر!

كثير منا ربما يغضب عندما يقال له أنت غير منضبط بمواعيد الاجتماعات، ولو تحدث مع نفسه فقال لها: هل دقتي في المواعيد ممتازة أو مرضية أو سيئة؟ ثم سأل نفسه كم عدد المرات التي تأخرت فيها؟ لحصل له الوعي أي: لن يغضب من الآخرين أبداً لأنهم لو كانوا محقين فلِمَ الغضب؟ وإن كانوا مخطئين فلا غضب؛ لأنك تعرف موقعك من الإعراب!!

ودونك مشاعر متفرقة: شعورك بالكرم؟ شعورك بالوفاء؟ شعورك بالحفاظ على الصلاة؟ شعورك بالرضا عن الذات؟

ويقابلها سلوكيات متنوعة: كم مرة دعوت أصدقاءك في الشهر؟ متى آخر اتصال اتصلت به على صديق بعيد؟ ماعدد المرات التي تفوتك فيها صلاة الفجر؟ متى آخر مهارة تعلمتها في حياتك؟

إننا ننفعل حينما نسمع حكم الآخرين علينا، لأننا لم نفكر يوماً أن نحكم على أنفسنا قبلهم! ولو قال لي قائل إنك لست ماهراً بالكتابة؛ إذ كيف تجعل هذا الفاصل الطويل بين هذا المقال ومقالك السابق (الميزان المعطل) وفكرتهما مترابطة؟ فلن أغضب وقد صدق!

محمد عبدالله العبدالهادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود


aboanus@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد