أعتقد أن غالبية من هم في سني يعرفون هذا الشاب (هاري) الذي يبلغ من العمر أربعة وعشرين عاماً اليوم، لا لشيء إلا لأن وسائل الإعلام المختلفة كانت تنقل لنا وبشيء من التفصيل والاهتمام أخبار والديه أولاً بأول، روت لنا قصة تعرُّف الأمير تشارلز (الأب) على الأميرة ديانا (الأم)، ونقلت ليلة الزفاف التي كانت حديث المجالس يوماً ما، كتبت عن لحظة الحمل، ولم تكن غائبة عند الولادة سواء الأولى أو الثانية، ليس هذا فحسب.. بل كنا نقرأ عمّا نشأ بينهما من مشاكل وخلافات، ونتوقع كيف ستكون النهايات، ومع أن الخاتمة كانت مأساوية وفاشلة إلا أن هناك كُتبٌ تربوية يُقال إنها من تأليف الزوجة الرائعة والأم المثالية (ديانا)!!، وهناك من ألَّف وأبدع في باب التربية القيمية وتوَّج هذا الجهد العلمي بكتابة هذه المرأة لمقدمة ما سطر، وترجمة هذه المجموعة التربوية الأسرية إلى العربية.. والهدف (إعطاء جملة من النصائح الفذة لتربية عالمية أمثل)!!، المهم أن وليام وهاري كبرا اليوم بعد قصة طويلة ذات فصول وحكايات غريبة، كشفت بعض أبعاد وملامح هذه القصة المقابلة التي أجرتها معهما مجلة (أوكيه) الشهر الماضي، وأوردت وسائل الإعلام البريطانية مقتطفات مما قاله الأميران في هذا اللقاء الشهير، لا تهمني هنا التفاصيل ولن أتوقف عند (شخير هاري).. ولا علاقة وليام بصديقته كيت ميدلتون.. ولا حتى من يطبخ جيداً.. ومن يتولى غسل الصحون، لكنني بصدق شدَّني ما ذكره الأصغر هاري من أنه خدم في أفغانستان لمدة عشرة أشهر ولكنه عاد إلى بلاده في فبراير (شباط) 2008م قبل الموعد المحدد، بعد نشر تقارير إخبارية تحدد مكان وجوده الذي كان طي الكتمان!!، تساءلت في نفسي: ترى لماذا يذهب الأمير المبجل إلى هذه الأرض الموحشة ذات الطبيعة الجبلية الصعبة؟، لماذا يخاطر بنفسه وهو في غنى عن ذلك كله ويعيش أشهراً طويلة في مواجهة دامية وصعبة مع الإرهاب والتطرف الإسلامي، كيف كان يعيش هناك والموت يتراقص بين عينيه صباح مساء وهو العاشق للحياة المحب للبقاء؟، سألت التاريخ كيف يتربى أبناء الذوات ومن يعيش حياة الترف ويتنعم ببساط المجد وسطوة القوة في الغرب النصراني؟، قلت وبشيء من الاستغراب: ترى لو كان هاري عربياً مسلماً ذهب لأفغانستان هذه الأيام ولو لمهمة إعلامية أو اجتماعية أو اقتصادية، كم من الأسئلة التي ستثور لحظة إدلائه بهذا الاعتراف؟، وعاد السؤال من جديد ولكن هذه المرة كان يحوم حول الأب تشارلز.. ترى هل كان لهذا الأمير رأي في ذهاب ابنه هاري لأفغانستان أم أنه لم يعلم عن سفره إلا من خلال وسائل الإعلام؟، وهل كان خروج هذا الشاب تطوعاً أم جبراً، تلبية لمتطلبات الخدمة العسكرية المدنية أم إشباعاً لهوايته التي أفصح عنها أم خدمة لهدف سامٍ يحمله ويؤمن به؟، وماذا عمل هناك؟، أسئلة كثيرة، خرجت منها برؤية ذات محاور خمسة، ولأن من الملاحظات التي جاءتني من أحد القراء الأعزاء أنني لا أترك للقارئ مساحة من التفكير الحر الذي ينطلق به إلى آفاق أوسع مما أريد أن أقوله، وحتى يتسنى لك أخي العزيز المشاركة في إكمال الحديث عن هذا الحدث الهام في نظري بالنهاية التي تراها، لهذا وغيره أترك الكلام عن هذه المحاور لتفكر بها وبما ماثلها مما قد تتوصل إليه خلاف ما عنّ لي بعيداً عن قول كاتب هذا المقال وما يعتقد ويدور في رأسه، أتركك بحفظ الله ورعايته والأسئلة تتعاظم في نفسي وعلامات التعجب تطاردني والأمل يحدوني بأن أعثر على إجابة شافية من لسان الأمير هاري يوماً ما، بقي أن أشير إلى أن طرحي هذا لا يعني - لا سمح الله - أنني أدعو أو حتى أؤيد بأي صورة من الصور الذهاب إلى أفغانستان أو غيرها من الدول التي تدرب وتغذي العنف والغلو والتطرف فالإرهاب ضرره - كما يعلم الجميع - على الإسلام والمسلمين - حكومات وشعوباً وأقليات، أمماً وأفراداً - ضرر كبير ويتعاظم يوماً بعد يوم، والإرهاب ليس من الإسلام في شيء وليس لأحد من العرب والمسلمين منزع عذر أو باب اعتذار في التعاطف أو التسامح وغض الطرف عن هؤلاء الإرهابيين وما يخططون له ويهمون بمقارفته خصوصاً بعد أن وضحت الحجة وقامت المحجة.. وإلى لقاء والسلام.