يتردد في الأوساط التعليمية والاجتماعية حديث حول فكرة إلغاء العمل ب(تقويم المهارات) في الصفوف الابتدائية (بنين وبنات)، المعمول به منذ ست سنوات ووصل هذا العام من حيث التطبيق إلى الصف السادس، والعودة إلى نظام (الاختبارات) الشهرية والفصلية المعمول بها حالياً في مرحلتي المتوسطة والثانوية، وذلك على خلفية اللقاء الثامن عشر لقادة العمل التربوي الذي عقد في مكة المكرمة، ...
... خاصة أن كثيراً من المعلمين والموجهين (رجال ونساء)، قد لمسوا انخفاض المعدل العام لمستويات طلبة الصفوف الابتدائية في المهارات الأساسية كالقراءة والرياضيات والإملاء وغيرها، رغم المجهود الكبير والمرهق الذي يبذله المعلمون والمعلمات طيلة العام لأجل أن يكون التقويم (عادلاً ودقيقاً) في الحكم على مستوى الطالب والطالبة، استدراكاً منهم قبل أن تهل الاستعدادات للعام الدراسي الجديد، الذي سيبدأ معه تطبيق (التقويم) في الصف الأول متوسط.
حقيقة لست تربوياً أو معلماً أو من منسوبي قطاع (التعليم)، هذا القطاع الذي يؤدي رسالة عظيمة تمثل إحدى الركائز الأساسية في نهضة الأمم، والمؤشر الحضاري لتقدم الدول، وقد كانت حلمي في يوم من الأيام لشدة ولعي بمقرر التاريخ والقراءات الحرة في كل ما يتعلق به، غير أني في المقابل أب ولي أبناء يدرسون، كما أقرأ وأتابع الحركة التعليمية وتطوراتها في بلادي، إضافة إلى علاقاتي المتعددة مع رجال التعليم بمختلف فئاتهم، لهذا فلي تصور قد يكون متواضعاً أو معقولاً نوعاً ما للمشهد التعليمي بأضلاعه الرئيسة (الطالب، المنهج، المعلم). من ذلك كله يمكن التعرف على وجهة نظري في (تعليمنا) دون اشتراط قبولها أو الاقتناع بها.
وجهة نظري لا تتعلق بصواب أو خطأ فكرة أو اقتراح (إلغاء التقويم) في الصفوف الابتدائية للبنين والبنات، التي أشرت لها في أول المقال، إنما تنطلق من قضية أولى هي (التجربة التعليمية) في شأن المقررات التي تحتاج إلى تطوير أو في أساليب التدريس التي تخضع للتغيير، من حيث ارتباطها ب(الدراسات العلمية والبحوث الرصينة والتطبيقات العالمية) من قبل الخبراء التربويين والأكاديميين والدول المتقدمة في التعليم، وكذلك أخذ (مداها الزمني) عند التطبيق الفعلي، بمعنى أوضح أنه لا يجب الإقدام على تطبيق أية تجربة في تعليمنا إلا بعد استيفاء كل متطلباتها ووضع استراتيجية جلية في البعد الزمني وحضارية في الهدف التربوي، فالتعليم ليس (نزهة ثقافية) يمكن تعويضها، أو (ترف علمي) يمكن الاستغناء عنه، إنما هو (عطاء معرفي تراكمي) طويل الأمد لأجيال متعاقبة، أي أنه استثمار أمثل وواعد في الإنسان، وفي أهم سنوات عمره..
استثمار مستقبلي في الفرد السعودي الذي ُيراد له أن يسهم في بناء الوطن، استثمار يقوم على تشكيل عقليات مسلحة بالعلم، وواعية بالعالم ومتفتحة للحياة، لتصل في نهاية المطاف بمشيئة الله إلى مشارف التعليم العالي، أو ميادين العمل اليومي، أو أقبية البحث العلمي، ف(أجيال الوطن) من الطلبة والطالبات ليسوا (حقول تجارب) في مسألة حساسة تتعلق بتعليمهم وانعكاس ذلك على مستقبلهم، فتارة يجد الطالب (أو الطالبة) نفسه خاضعاً ل(تقويم) مستمر خلال بضع سنوات، ثم ينقلب الحال فيواجه ب(اختبارات) مُركّزة لم يألفها، والنتيجة لا طال بلح (التقويم) ولا عنب (الاختبار)، ناهيك عن قضية المناهج وعجلة تطورها التي لم تصل إلى مرافئ الجودة الحقيقية، رغم المشروع الكبير الذي أقره قائد نهضتنا خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- الخاص بتطوير التعليم، فتم رصد الميزانيات المالية الضخمة وتوفير الإمكانات المادية الكبيرة لتلبية كل احتياجات هذا القطاع التعليمي، بهذا المشروع الحضاري الذي بدأته وزارة التربية والتعليم منذ بضع سنوات في بعض مشاريعها التعليمية الجديدة والتطويرية، وهي (تطوير مناهج الرياضيات والعلوم الطبيعية)، و(المشروع الشامل لتطوير المناهج)، و(التعليم الثانوي المرن ونظام المقررات)، و(البوابة التعليمية)، و(الاختبارات الوطنية)، و(الاختبارات المهنية)، و(البحوث التربوية).
إني لا أقلل من مجهود رجالات التعليم، بل أدعوا لهم بالتوفيق والسداد لأن نجاحهم يعني نجاح كل الوطن، ولكن أتمنى أن يراجعوا مسألة التعامل مع (التجارب التعليمية)، بالبحث أولاً في السر وراء فروق المستويات التعليمية بين الأجيال السابقة والأجيال الحالية، سواءً في أساليب التدريس التي تتأرجح بين التقويم والاختبار، أو في تأهيل المعلمين الذين ضاعت هيبتهم أمام طلبتهم، أو في مناهج التعليم التي لم تخرج حتى الآن من مشكلة الحشو وأسلوب التلقين إلى المادة العلمية المركزة ومهارات التفكير الحر.
Kanaan999@hotmail.com (*)