كانت ثقة (الجماعة) في (الفتى) الشاب المتدفق حيوية وتوقداً وهمةً عاليةً جداً؛ فأوكلت إليه إدارة أول مكتبة تجارية تفتتح في قريته، اختير لها مكان مناسب على ناصيةِ أول شارع يُعبَّد بصورة حديثة مطلعَ التسعينيات من القرن الهجري الماضي؛ دكانٌ صغير لا تتجاوز مساحته...
... أربعة أمتار في مثلها، كان حصيلة تفكير عميق من منظري الجماعة لدفق جرعات قوية من الفكر الإسلامي الحديث في الجيل الجديد من أبناء القرية، حيث دار حوار طويل عن الكيفية التي يمكن بها تكوين جيل جديد يحمل اتجاها قويا وواضحا للصحوة الإسلامية المتنامية في العالم العربي كافة بعد انحسار المد القومي بهزيمة 1967م، وصعود الخطاب الإسلامي بديلا للتجربة القومية الآفلة الفاشلة!
استلم (الفتى) مهمته بكل البراءة والعفوية ملبياً رغبة دفينة في داخله تدفعه إلى القبول بهذا العرض حتى ولو لم يكافأ عليه؛ لأنه سيجد نفسه بين الكتب وهي عشقه الأول ومستراحه المفضل، فلربما تتاح له الفرصة لاختيار ما يشاء واصطحابه إلى المنزل، تعويضا عن المكتبة العامة التابعة لوزارة المعارف التي كانت تفتح بابها وتغلقه في ساعات محددة معينة، ولا تسمح لروادها باستعارة الكتب، وهو يتذكر ذات يوم لم يستطع فيه إكمال رواية (أرمانوسة المصرية) لجورجي زيدان، فذهب إلى أمين المكتبة متوسلا إليه أن يسمح له بالخروج بالرواية ظهرا لقراءة ما تبقى من صفحاتها فترة الظهيرة في المنزل ثم العودة بها عصراً؛ فقابله الرجل الهادئ الطيب السمح بشيء من التخوف من مخالفة النظام، ولكنه لم يخف تعاطفه وإعجابه أيضاً بنهم (الفتى) وحبه للقراءة؛ فلبى له ما أراد على مضض مشترطا أن يخفيه تحت إبطه مسدلا عليه غترته البيضاء الملتفة دائماً في وقار على رقبته وكتفيه، وهي لم تكن المرة الأولى ولا الأخيرة التي يقدم فيها على الخروج بكتاب أو ربما أكثر خارج المكتبة على الرغم من مخالفة ذلك للنظام؛ فقد استمرأ هذا الأسلوب ووجد فيه سلوة ومتعة وبخاصة حين يشرف الأسبوع على نهايته وتقفل المكتبة بابها يومي الخميس والجمعة.
وجد (الفتى) نفسه مديراً ومسؤولاً عن مهمة اعتقد أنها كبيرة جداً وهو لم يكد يتجاوز السادسة عشرة من عمره، مشرفا ومخططاً ومفاوضاً وعارضاً ومقنعاً ومتواصلاً مع تجار ومديري مؤسسات، ولكنه لا يكاد يخرج في الأمور الفكرية وانتقاء الكتب والمجلات عن أهداف (الجماعة) وخطتها طويلة الأمد للتغيير الفكري، وبناء جيل جديد وإشاعة الثقافة الإسلامية؛ فها هو يسوق في مكتبة (الثقافة) الكتب المؤسسة الأولى لفكر الصحوة الإسلامية التي تجد رواجها وإقبالا من الناس كافة، وتشترى هدايا تفوق ونشاط من مسؤولي المعهد العلمي بخاصة، ومن بعض مديري المدارس المتوسطة والثانوية، دون أن تقرأ المعاني الانقلابية التي تحمله بين ثناياها وفي كثير من صفحاتها، حيث يكاد يجمع العارفون وغير العارفين على أن هذه الكتب داخلة في المفهوم الثقافي العام الذي يتباهى به نفر قليل من محبي القراءة والاطلاع في القرية، ويظهر ذلك النفر بمظهر مختلف من حيث اختيار الألفاظ والعبارات في الحديث، وحتى في كيفية وشكل التأنق في الملبس دون أن تبدو على مظهرهم العام ملامح تزمت أو مبالغة في التدين؛ فلم تكن الجماعة آنذاك في مركز قوة وهيمنة بحيث تكون لها سماتها الخاصة؛ فقد كانت في عملها أقرب إلى الثقافي من الحزبي؛ لأن ثمة تيارات فكرية أخرى كانت مهيمنة على الساحة، مثل جماعة التبليغ المنتشرة في مدن وقرى المملكة أواخر الثمانينيات الهجرية والتسعينيات من القرن الماضي، وفيها تخرج دعاة مناهج على طرائق مختلفة من الانزواء والصوفية والتعبد والانقطاع إلى حلقات الذكر والزهد والتذكير بالوعد والوعيد إلى أقصى المدى في الشطط والخروج على المجتمع وتبديعه وتكفيره والدعوة إلى حربه وتغييره، ورفض كل أسباب الحياة الحديثة التي بدأ يأخذ بطرف منها آنذاك، وعلى رأس هذا التيار المتطرف (جهيمان) ورسائله وخطبه وزياراته إلى القرى والمدن وحشده جموعا من المندفعين وذوي العواطف والمنساقين بعفوية بريئة أحيانا دون أن يدركوا غايات صاحبهم البعيدة!.
كانت تلك الجماعات تأتي في غير انقطاع إلى القرية وتحط نزلها في المساجد، وبخاصة الجامع الكبير، وتجمع من حولها المريدين والأتباع، وفي بعض الأحايين تقوم بجولات في الأسواق مذكرة واعظة محتسبة، وكان (الفتى) يذهب معهم أينما ذهبوا ويقعد معهم حيثما قعدوا؛ إلى أن رغب أحدهم في تسجيل أسماء المريدين والأتباع وجاءه الدور لإملاء اسمه؛ فهمز والده يده وهو بجانبه أن قم، فقام مذعنا والصبح يكاد يشعشع بإشراقاته الندية بعد صلاة الفجر، وسأل الفتى الصغير أباه: لِمَ لمْ يسجل اسمه؟ فأجابه: لا فائدة من ذلك، حيث لن يسمح له بالخروج معهم خارج القرية على الإطلاق! فسكت الفتى دون تعقيب أو سؤال لاحق، فقول أبيه دائماً هو القول الفصل!
ولم يتذكر هذا الموقف الأبوي الواعي إلا بعد ثماني سنوات، وبالتحديد عام 1400هـ في اليوم الأول منه (المحرم) مطلع القرن الجديد وهو على وشك التخرج من الجامعة، حينما دوى في العالم الإسلامي كله ذلك الحدث المأساوي الإجرامي في الحرم الشريف، حيث انتهكت جماعة (جهيمان) وهي التي كانت تسمى نفسها: الجماعة الجهادية المحتسبة، وأحيانا: جماعة أهل الحديث، وما إلى ذلك من المسميات الخادعة الملتبسة على عوام الناس وبسطائهم! اقتحمت جماعة (جهيمان) الحرم الشريف وأعلنت خروج (المهدي) المزعوم!! وأغلقت أبواب الحرم عن الداخلين والخارجين، وكان مكتظا بمن بقي من حجاج ذلك العام، وانتهك المكان المقدس في الشهر الحرام من هذه الفئة الباغية الضالة!
أدرك (الفتى) بعد هذه الحادثة المؤلمة كم كان والده حكيما وواعيا ومدركا ما وراء تلك الجماعات، ولو أذن له فلربما كان ضحية بريئة من ضحايا أولئك الضالين المتطرفين، ولكنه على كل حال لم يكن ذا رغبة ملحة شديدة في اقتفاء أثر جماعة (التبليغ) والتأسي بهم، لاقتصارهم على الوعظ، ولما تتصف به طروحاتهم من سطحية وسذاجة، فوجد نفسه مندفعا أشد الاندفاع إلى هذا الفكر الإسلامي الجديد، الذي يعيد قراءة النص الديني ويفتح مغاليقه، ويمنحه القدرة على الحركة والانطلاق، ويحلق به عاليا في آفاق بعيدة حالمة بتخليق مجتمع إسلامي جديد، واستعادة مجد الحضارة الإسلامية، والتأكيد على أنها البديل القادم في وقت غير بعيد عن الحضارة الأوروبية المادية المتهالكة التي بدأ يدب فيها الفناء بسبب استشراء الفساد الأخلاقي وأمراض المادة كالانتحار والجريمة وضياع أجيال الشباب، وما يماثل هذه السمات مما تتهم به حضارة الغرب!
ولعله يتذكر حين يقارن توهج وإشراقات هذه الأفكار الإسلامية الجديدة عليه التي لم يألفها من قبل بما كان يدور في مجلس أحد العباد الصالحين من شيوخ قريته الزهاد الورعين واسمه (عبد الله) وهو صديق حميم لوالده، فكان (الفتى) يكلف بقراءة فصلٍ من فتاوى ابن تيمية، أو من أجوبة ابن سعدي، أو من الأجوبة النجدية لابن قاسم؛ بل أحيانا من كتاب (إحياء علوم الدين) أو (المنقذ من الضلال) لأبي حامد الغزالي. فرق شاسع بين جماعة التبليغ وما هو فيه الآن من فضاءات واسعة بهية وما يتجاذب فيه الحديث في مجلس الشيخ أبي علي المظلل بعرائش العنب وأشجار الليمون في مزرعته الواقعة في الحدود القريبة من القرية جنوبا. يخرج مع أبيه من بين عرائش العنب العالية المتسلقة على السقف الخشبي المتباعد بعد أن توشك الشمس المنزوية خلف الجبل على المغيب، وهو يردد في داخله أفكار الشيخ البريئة الطيبة المعضدة بتأييد أبيه وهي أن الحياة ممر لا مقر، وأن ما فيها ظل زائل، وأن الحياة الأخرى هي الباقية، ثم دعواته للفتى بالصلاح والثبات مختلطة بعبارات لا تخلو من الثناء والإعجاب!
هو بين هذا وذاك بين مجالس (الجماعة) التي تأخذه كثيرا في خلوات وزيارات مقصودة مرتبة، يحل فيها ضيف كبير (منظر) يأخذ حديثه بمجامع الألباب، وتلفت ثقافته العالية واختياراته اللفظية والاستدلالية انتباه جميع الحاضرين، ومجالس الشيخ الزاهد الذي كانت الجماعة تزوره لتحظى ببعض التأييد وتكسب سمعة حسنة عند آباء الشبان، لكي يطمئنوا إلى أن أبناءهم في صحبة أخبار أبرار صالحين!
وجد (الفتى) ضالته في مكتبة (الثقافة) التي أوكلت إليه الجماعة أمرها، فلم يدع لهم صياغة مكنوناتها؛ بل أضفى عليها من ذائقته الأدبية واختياراته ما آثار غضبهم في بعض الأحايين؛ فكان يذهب إلى الرياض وهو في السنة الأولى الثانوية مستأجرا سيارة (بيجو) تسع لعشرة ركاب، دافعا لصاحبها عشرة ريالات مشترطا ذلك السائق الطيب أن يتوقف بالجميع في محطة القرية المعروفة باسمها بجانب (المقيبرة) وسط الرياض آنذاك، وعلى كل راكب أن يتجه حيث يشاء بعد ذلك؛ فيأخذ الفتى سيارة أجرة ثانية ليذهب إلى آخر شارع الوزير مقابل دار الكتب الوطنية حيث مكتبة اللواء العامرة في دوريها العلوي والسفلي بالجديد والتليد من الكتب، ويقضي نهاره في انتقاء عشرات الروايات لجورجي زيدان ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، ويوسف إدريس، وغادة السمان وكانت في بداياتها القصصية، وحبشي الأشقر، وعبد الحميد جودة السحار، وطه حسين، ويحيى حقي، ومحمد حسين هيكل، وغيرهم.
ولكنه أيضاً لا بد أن يختار ما أنشئت المكتبة من أجله، أو يجدد ما نفد مما كان موجودا قبله في المكتبة، فيجد في نهاية هذا المشوار العبق الحافل بأطايب مكتبات الرياض على رفوف مكتبته الصغيرة الوحيدة بالقرية كتبا مؤسسة ومؤثرة على اختلاف أطيافها وألوانها؛ مثل: حصوننا مهددة من داخلها لمحمد محمد حسين، والاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر من جزأين له أيضا، ومعالم في الطريق، وفي ظلال القرآن، والمستقبل لهذا الدين، والعدالة الاجتماعية لسيد قطب، وجاهلية القرن العشرين، ومنهج الفن الإسلامي، وهل نحن مسلمون، ومعركة التقاليد، وشبهات حول الإسلام لمحمد قطب، وطفل من القرية، وأشواك، وهما قصتان، أو سيرة ذاتية ورواية لسيد قطب، والأطياف الأربعة لآل قطب (حميدة وأمنية وسيد ومحمد). والطريق إلى مكة لمحمد أسد، وحركات ومذاهب في ميزان الإسلام لفتحي يكن، وملامح الانقلاب الإسلامي في حياة عمر بن عبد العزيز لعماد الدين خليل.
وهو أيضاً ينشر مجلة المجتمع الكويتية الصادرة عن جمعية الإصلاح ذات التوجه الإخواني، وإلى جانبها مجلة اليمامة والعربي والنهضة، إضافة إلى صحيفتي الجزيرة والرياض. ويتذكر كيف كان يوزع هذه المجلات والصحف على المشتركين وهم نفر قليل لا يكاد يتجاوز العشرين في المعهد العلمي من تلاميذ وأساتذة، فكان يحمل الصحف على ذراعه الأيمن والمجلات على ذراعه الأيسر باحثا عن المشتركين من كل صف، مستغلا الفسحة الكبيرة في منتصف الوقت الدراسي، فيعود من مهمته تلك وقد تغير كم ثوبه من البياض الناصع إلى ما يشبه لون أحبار الصحف!
ولا ينسى (الفتى) كم كان جدلا مماحكا وهو يقنع الشيخ صالح العجروش مدير عام مؤسسة الجزيرة لكي يحظى بمزيد من الخصم بحيث يصل إلى 25% بدلا من 20% فقال له الشيخ ضاحكا: أود أن أعرف من علمك التجارة باكرا؟! وكانت (الجزيرة) تصدر كل ثلاثاء ويوزعها في المكتبة وعلى الطلبة صبيحة الأربعاء؛ لأن صاحب سيارة الأجرة (البيجو) الذي اتفق معه الفتى بأجر زهيد معلوم لا يصل إلا بعد صلاة عشاء يوم الثلاثاء!
لقد نجح منظرو (الجماعة) في إيجاد منفذ مهم وكبير للفكر الإسلامي الصحوي الحديث من خلال هذه المكتبة النابضة بكل جديد بمقياس القرية في ذلك الزمان أوائل التسعينيات من القرن الهجري الماضي؛ ولكن ذلك غير كاف أبدا في الاستقطاب وإعادة البناء الفكري، فتم تسريع بذرات هذا الاتجاه الفكري المتنامي في القرية بخطوتين بالغتي التأثير والأهمية، أولاهما: عقد لقاءات ترويحية في ظاهرها خارج القرية في شعيب (الخابية) وبخاصة أن الوقت كان مناسبا لذلك بعد هطول أمطار موسمية كثيفة واخضرار ذلك الوادي الخصيب، وثانيتهما: القيام بعمرة وزيارة للمسجد النبوي الشريف تضم المميزين الذين تدل بشائرهم الأولى على بعض نجابة لترسيخ القيم الفكرية الحزبية فيهم.
ولأخذ موافقة والد الفتى على اصطحابه إلى تلك الخلوات الفكرية كان لا بد من بذل جهد جهيد لكسب ثقته وصرف تفكيره عن أي جانب سلبي قد يرد على ذهن الوالد من المخاوف التي لا تبرح خيالات الآباء على أبنائهم في فترات المراهقة، وبذل أحدهم ممن يحظى بتقدير خاص من والد الفتى جهدا طيبا فحظي بعد زيارات عدة بالموافقة؛ وهي موافقات غير مطمئنة كل الاطمئنان ولا راضية كل الرضا؛ لأنها تستجيب لمحاولات (الفتى) في كسب رضا والده أكثر مما تستجيب لدهاء وحذاقة وتمثيل مندوب الجماعة!
اختير للمخيم موقع متميز بين لفيف من أشجار السلم الوارفة الظلال، وضربت خيمتان كبيرتان؛ واحدة للمنام، وأخرى للجلوس والكلام!.. وكان صوت الشيخ المقرئ محمد صديق المنشاوي - رحمه الله - يصدح بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وقد وضع على (تندة) السيارة المقابلة للخيمة الكبيرة مسجل له سماعتان كبيرتان، مما أضفى على المكان حالة خاصة بالغة الرقة والشفافية والروحانية متداخلا ذلك الصوت الخاشع الحزين بمشاعر فوارة تجيش بها نفوس هؤلاء الفتية الأنقياء الصادقين العازمين على أن يكونوا مقدمة ونواة المجتمع الإسلامي الوليد الجديد!
هذا شاب من الخرج، وأولئك شبان من الرياض، وعدد آخر من قرى قريبة من الرياض؛ ربما من حريملاء، أو من الدرعية، واثنان لا شك أنها من القصيم، يتبين ذلك من لهجتهما المميزة، عشرون أو ربما يزيدون قليلا تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة كما هو عمر (الفتى) والعشرين، ولا يكبرهم كثيرا إلا المنظرون الثلاثة الذين يقودون دفة الحديث، وينظمون المسابقات، ويخطب أحدهم بدهاء مبطن وبحماسة شديدة إذا اشتدت سخونة الحديث؛ فيبلغ التأثر من الجميع مبلغه، ويزداد التحسر على واقع المجتمع المسلم، الذي لا يشك أحد من الحاضرين بعد خطب الإقذاع والملامة والهجاء والتنقيص وتعداد المثالب والمفاسد أنه مجتمع جاهلي ضال بعيد كل البعد عن المجتمع الإسلامي المنشود!!
يا لحيرتك واضطرابك وقلقك أيها (الفتى) الصغير، موار هو وجدانك البريء بكل هذه المشاعر الفوارة النقية، وممتد خيالك إلى آفاق بعيدة حالمة ترى فيها أمة عزيزة الجانب مكينة الأركان، مهيبة الجناب، ولا زالت في مسمعيك وفي قلبك تكبيرات النصر العظيم التي جللت رمضان الفائت 1393هـ وقد عبر المصريون القناة وحطموا جدار بارليف واستعادة سيناء، لم يتم ذلك أبدا بغير القرآن والصلاة والاتكال على الله؛ ما زال (الفتى) يعيش عبق ذلك الانتصار، وها هي الأمة تسعى إلى استعادة أمجادها من جديد بالعودة إلى دينها وإلى قيمها وإلى بناء ذوات أخرى من الشبيبة المؤمنة، وهو يستمع من منظري الجماعة إلى ما يؤكد ولادة هذه الأمة التي ستعيد إلى إنسان هذا العصر إنسانيته، وستبني مجدا حضاريا آخر مختلفا عن مجد حضارة المادة واستعباد القوة والانسياق الذليل وراء الشهوات التي تفيض بها حضارة الغرب!!
أمان كبار، وتطلعات سامية، وأحاديث تقلب وجدان (الفتى) رأسا على عقب؛ فيعود إلى أهله أقرب إلى الانطواء منه إلى ما كان عليه من انبساط وعفوية وتسامح، يعود وهو يرى أنه مسيج بمجتمع جاهلي لا بد له من العودة إلى حظيرة الإسلام، والتبرؤ من ألوان وأشكال جاهلية هذا القرن؛ ولا سبيل إلى تحقيق ذلك سوى بتنبيت بذور جيل إسلامي راشد يحمل الراية ويكون خليفة الله في الأرض كما يقول سيد في معالمه!
فهل سيمضي (الفتى) في توهجه ذاك إلى آخر الطريق أم أن ثمة ما يمكن أن يحدث فيقلب تفكيره من النقيض إلى النقيض؟!
(*) عضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ksa-7007@hotmail.com