لم يكن خطاب أوباما بجامعة القاهرة وحده الذي نبه إلى تدشين مرحلة دولية جديدة عنوانها: (سلام الشرق الأوسط أولاً)، فالرئيس الأمريكي المحاصر بالمشكلات والأزمات التي ورثها من سلفه جورج بوش الابن، فَهِمَ وفي أيام الإعداد للحملة الانتخابية وعند دراسته لملفات الأزمات السياسية والاقتصادية أن معالجة هذه الأزمات هو التصدي بحزم وبأسلوب مغاير للأسلوب الذي كانت تنتهجه الإدارة السابقة، وبما أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي دمرت الاقتصاد الأمريكي وأثرت على كل نواحي الحياة الاجتماعية والإسكان والصحة والمساعدات وغيرها من البرامج التي لا يمكن للأمريكي مهما كان مستواه المادي أو الاجتماعي التخلي عنها. فالسمة و(الستايل الأمريكي) هو رفاهية المواطن الأمريكي قبل كل شيء. وهو ما يعلمه أوباما ويعمل على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه. ومن أجل تحقيق هذا الهدف رفع شعار: (نستطيع التغير) ويعني أنه يجب تغير النهج، والسياسة، والإدارة، ومعالجة الأزمات. وبما أن الفريق الذي كان يعمل مع أوباما في حملته الانتخابية يعج بالخبراء والمستشارين والذين معظمهم تبوأوا مناصب وزارية في إدارته الجديدة، يعلمون علم اليقين نتيجة علمهم وخبراتهم السياسية والعلمية والعملية أن سبب الانهيار الاقتصادي الذي دمر الحياة الأمريكية هو التوسع في الحروب والتورط بالأزمات والمشكلات السياسية التي زادت من أعباء الصرف، حيث استنزفت الحروب تريليونات الدولارات وفرغت ميزانية أمريكا التي أصيبت ب(أنيميا العجز) الذي انتقلت عدواه إلى حلفاء أمريكا الغربيين، وهو ما أدى إلى تفشي العدوى عالمياً.. وحلت الأزمة الاقتصادية عالمياً بسبب رعونة الإدارة الأمريكية السابقة..
ولأن الفريق المحيط بأوباما يعلم أن منبع المشكلات والحروب والأزمات والتي أوجدت الإرهاب، وأشعلت الحروب هو تأخر وتعطيل (حل المشكلة الفلسطينية) التي اختزلوها أو لنقل عمموها فأصبحت تسمى بقضايا الشرق الأوسط، وفي الحقيقة أن كل ما يحدث في الشرق الأوسط وخارج المنطقة من حروب وعمليات إرهابية وأحداث سواء في العراق أو في أفغانستان وحتى في إيران وقبل ذلك في فلسطين ولبنان إنما سببه تعطيل حل القضية الفلسطينية، ولذلك كان توجه الإدارة الأمريكية (حل القضية الفلسطينية أولاً)، لأن فريق أوباما يعلم أن علاج الوضع الاقتصادي المتدهور يتطلب اقتلاع جذور الإرهاب والحروب، وسبب هذه المشكلات حتى وإن لم يعلنوا هو تأخر حل القضية الفلسطينية بسبب الانحياز التام الأمريكي والمطلق للظلم الذي تمارسه إسرائيل وحرمان الشعب من كل حقوق الإنسان التي أصبحت مسؤولية عالمية، فالأسرة الدولية وكون العالم أصبح قرية كونية فإن كل أعضاء الأسرة الدولية مسؤولون عن تأخر الاستحقاقات التي يجب أن تنصف الفلسطينيين. ولأن جزءاً كبيراً من حل الأزمة الاقتصادية العالمية يكمن هنا في المنطقة التي لا يزالون يصرون على تسميتها ب(الشرق الأوسط) مغيبين اسمها الحقيقي (المنطقة العربية).. فالمخزون العالمي للطاقة يكمن هنا.. ووقف الحروب يبدأ من هنا.. إذا ما صدق الأمريكيون توجههم وكبحوا عدوان حلفائهم الإسرائيليين وأجبروهم على التسليم بحقوق الفلسطينيين..!!
أوباما يحاول أن يؤدي دوره.. والأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون يريدون إصلاح أوضاعهم بإعادة (بعض) حقوق الفلسطينيين.. الكل يعمل ويسعى.. ما هو دورنا كعرب.. وقبل ذلك كفلسطينيين..؟!
غداً نواصل.