عبر التاريخ كان جسد المرأة هو أول مظاهر الذل والهزيمة أثناء الحروب؛ فالمرأة السبية أو المختطفة كانت ترغم أنوف جماعة لم تستطع الدفاع عن حياضها، المرأة الضعيفة العاجزة عن النزال وخوض الغمار نتيجة لتركيباتها الجسدية ووظيفتها البيولوجية ومن هنا أطرتها الثقافة في مواقع دونية كجالبة للعار, هذه الحمولة الهائلة التي يتناقلها جسد المرأة عبر العصور مزدحمة بالأساطير، مكهربة بالمقدس؛ ليجعل من قضيتها موضوعاً غير قابل للنقاش أو المساس به.
والمتابع الآن لكثير من القضايا الملتهبة على المستوى الاجتماعي نجدها في مجملها تدور حول المرأة كجسد؛ كونها تظل متاعا منقولا ينتقل من بيت الأب إلى بيت الزوج, دون أن تكون لها سيطرة أو استقلالية أو كامل القرار على هذا الجسد أو المحافظة عليه كفضيلة تنبع من أعماقها واكتمال إرادتها, واكتمال آدميتها وتكليفها الإلهي الذي هو تمام العقل الواعي.
بالتأكيد هذا المنظور البائد يقلص المساحة التي تحتلها النساء في الفضاء العام على الرغم من الحاجة الملحة لمشاركتها كطاقة اقتصادية معطلة غير قادرة على الانخراط في مشاريع تنموية وحضارية تفرضها المرحلة, بل أصبح الأمر مركباً على المستوى المحلي، فعلي حين أن جداتنا كانت بساطة الحياة والحاجة الاقتصادية تدفعهن للمشاركة في بعض المهام المنتجة داخل الجماعة, إلا أن تعقد العصر الحديث أتقن بناء بيت الجارية الحرملك حتى في أبعاده الرمزية التي تتبدى في عملية التوتر والجيشان الشعبي الذي يتصعد مرافقاً أي موضوع يتعلق بالنساء ابتداء من تمكين المرأة من المناصب القيادية أو مشاركتها في مجلس الشورى, انتهاء برياضة الفتيات وقيادة المرأة للسيارة, جميعها تتدحرج مثقلة بحمولة تاريخية تقلّص البُعد الإنساني لدى المرأة وتمام الأهلية والعقل إلى كونها جسداً جالباً للعار.
وما انتشار قصص الهوس بالنساء واقتناصهن ومخاتلتهن عبر الشبكة الإلكترونية, وحكايات التربص والتهديد وإزعاجهن في الأماكن العامة, إلا أحد المظاهر التي تفضي بنا إلى الإطار الثقافي الذي تتحرك فيه النساء.