قرأت عن الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين (نقاء) ومشروعها الخيري لتزويج من ثبت إقلاعهم الكامل عن التدخين، ولا بد من القول إن فكرة مساعدة الشباب على الزواج في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء الإيجارات وتأثيث المنازل وارتفاع قيمة المهور هي فكرة طيبة ومفيدة، كما أن مساعدة المدخن على ترك التدخين هي فكرة طيبة أيضاً وفيها قيمة صحية عالية وهي مساعدة الإنسان للتخلص من السموم التي ينفثها داخل جسمه وفي بيته وإلى رئتي من يحيط به، وفكرة هذا المشروع قائمة على الرجوع لكشوفات الجمعية واختيار عشرين شخصاً ممن انتظموا في مراجعة العيادة واستطاعوا أن يتجاوزوا الاختبار الذي تجريه الجمعية على هؤلاء الأشخاص، وهو اختبار كتابي يقوم على طرح أسئلة يُفترض أن يجيب عنها المدخن المقلع بكل صراحة وصدق ويثبت إقلاعه الكامل عن التدخين، كما أن الجمعية تشترط على الراغب في الزواج ممن نجحوا في الاختبار أن يكون هذا هو زواجه الأول، كارثة لو استخدمت هذه الطريقة لتعديد الزوجات والحمد لله أن القائمين على الجمعية انتبهوا لهذه القضية واشترطوا هذا الشرط.
لكن المشروع يظل له وجه غير جميل؛ ولذلك هناك ما أود الاستفسار عنه هنا، أود أن أسأل ما هي الضمانات والبرامج الرقابية التي ستقوم بها الجمعية للتأكد من كون الرجل المدخن لم يخدعهم للحصول على زوجة العمر؟ وما هي التراتيب التي أعدتها الجمعية لمنع عودته للتدخين؟ وماذا سيحدث لو أن هذا الزوج أزاغه الشيطان ورجع لعادة التدخين القبيحة، هل سيقومون باسترجاع (البضاعة) منه؟ وحتى في حال استرجاعها منه، هل سيكون هناك شرط جزائي يعاقبه على فترة الاستعمال، بحيث يكون هناك سعر محدد يدفعه عن فترة الزواج قبل أن (يشيلوا العدة)؟ وماذا سيفعلون معه إذا كان مفلساً و لم يستطع السداد؟ هل ستقسط عليه قيمة هذه الفترة الزوجية بالتقسيط المريح؟ أم ستطبق قاعدة البضاعة التي تشترى لا ترد ولا تستبدل، وبالتالي تبقى (العدة) ويبقى الشرط الجزائي؟ هو فعلاً أمر يدعو للضحك، كيف تُعامل المرأة بهذه الصورة المهينة وبهذا التصغير؟
أعلم أن الجمعية لن تتولى تفاصيل الزواج، وأن دورها سينحصر في صرف مبلغ من المال له حيث يبحث هو عن شريكة حياته ويتولى أمر خطبتها، لكن ما دعاني للسخرية هو أن هذا المشروع، في الجملة طيب وجهد خيري مشكور، غير أن المؤذي في الموضوع هو أن المرأة هنا امتهنت بشكل كبير؛ فهي مثل أي مكافأة أو جائزة تقدم للولد الشاطر الذي يذاكر دروسه وينجح في الاختبار فنكافئه بجوال أو جهاز لاب توب، نحن أمام مشروع يحول المرأة إلى سلعة وسلعة رخيصة أيضاً؛ إذ هي هنا تُجعل قيمة لعادة سيئة وقبيحة هي التدخين، وكان المفروض أن نحترم بناتنا بصورة أكبر من هذه الصورة التي جعلتهن محط سخرية العالم المتحضر كله.
ليست القضية هي أن يستمر هذا المشروع أو لا، كلنا مع أي مشروع يساعد الشباب على الزواج ويخفف عنهم أعباءه، لكن من الضروري أن تتغير هذه الصورة للنساء، ولا بد للذكر أن يتذكر أن هذه المرأة هي إنسان مثله يجب أن ينظر لها على أنها مثل الرجل تعامل مثلما يُعامل، كائن راشد محترم ليس تبعاً لأحد ولا بقية أثاث أحد، إنسان منفصل عن الرجل يتشابه معه في أمور ويختلف عنه بمواصفات أخرى، لكن الله أراد لنا هذه الحياة سوياً على هذه الأرض لنعمرها جميعا، وإن لم تقم الحياة على الاحترام قبل المحبة فلن يكون هناك حياة سوية، وإذا انعدم الاحترام بين الزوجين فلا تنتظروا زواجاً ناجحاً ولا ذرية فالحة، وإذا لم يحترم الرجل زوجته فليس له أن ينتظر أو يتوقع منها أن تحترمه. النساء في مجتمعنا تعودن على السكوت، لكن السكوت لا يدل على الرضا في جميع الأحوال، فقد تصمت احتراماً لنفسها لأنها لا تحب الدخول في جدل، لكنها في صميم قلبها لا تحترم شريكاً لا يحترمها ويحترم عقلها وقلبها ويُقدر عاطفتها ويُقدر قبل كل شيء كونها إنسانة مثله تماماً. إذا وصلنا إلى هذه القناعة وكلي أمل أننا سنصل إليها عاجلاً لا آجلاً ببركة الأجيال الجديدة الواعية المثقفة، عندها لن نسمع عن زوجة جائزة لمن ترك السيجارة.
www.salmogren.net