أكدت دراسة حديثة التأثيرات الاجتماعية البالغة لقيادة المرأة السعودية للسيارة، وأنها إن تمت ستؤدي إلى إزدياد كبير في نسبة الطلاق مستندة على تنامي نسبة الطلاق في دولة الإمارات العربية لشعور المرأة هناك بعدم حاجتها للرجل.
وتناولت الدراسة قيادة المرأة للسيارة في السعودية التي قدمها الباحث الاستشاري الدكتور كمال بن محمد الصبحي، ومع احترامي لكل ما طرح في هذه الدراسة التي حاول الباحث من خلالها أن يؤكد موضوعيته، وبعده عن الانحياز إلا أنه في نهاية المطاف كشف عن انحيازه حتى لو أنه حاول إقناعنا بالدراسة الميدانية التي قام بها لبعض دول الخليج والدول الأخرى من أجل إثبات بعض الحقائق من وجهة نظره، ولكنه في غفلة، أو في لحظة سهو قال: إن الفساد مفتاحه البنات عندما لا يمتلكن حرية غير مسئولة، طبعاً وإن كان قد نقل هذا الكلام عن مسئول في مركز شرطة في إحدى الدول المجاورة حسب تعبير الدراسة، إلا أنه ليس من الإنصاف أو العدل أن يتم اتهام البنات أو حتى الشباب جزافاً، المسألة يا سيدي مسألة أخلاق، وشبابنا قد تربوا على أخلاقيات الدين الإسلامي الحنيف التي يجب أن تكون رادعاً لهم في مثل هذه المواقف، والفاسد فاسد بطبيعته سواء أكان شاباً أو شابة، لا أرى فرقا في ذلك، ولأنني لا أريد أن أناقش هذه الدراسة، مناقشة عميقة، لكنني أردت أن أوردها كشاهد، أقول:
عندما تركز دراسة على موضوع هام كهذا ينبغي أن تكون علمية، ومعتمدة على البحث الدقيق لمحور مهم مثل هذا المحور الذي تناوله الكثيرون بالبحث والنقاش من خلال مقالات الكتاب، وعبر وسائل الإعلام المختلفة، وكانت نتائج كل هذه النقاشات أنها في نهاية الأمر مسألة تعود إلى المجتمع، كما صرح بذلك سمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبد العزيز في سؤال تم طرحه عليه في مؤتمر صحفي وهو نابع عن الرؤية الحكيمة، والعقل المدبر.
وقد قمت بعمل تحقيق صحفي حول هذا الموضوع قبل أكثر من 5 سنوات عندما كنت أعمل في إحدى الصحف السعودية، وكنت حريصاً على أن يكون التحقيق فيه الجانب الاستقصائي، ويعتمد على المصداقية في الحصول على الآراء من كافة الجوانب، سيدات - وبنات، شباب - وآباء، ورغم أن الآراء في ذلك الوقت كانت معظمها لا تؤيد قيادة المرأة السعودية للسيارة التي ربما تختلف في هذه الأيام، إلا أن هناك حالات إنسانية مزعجة للغاية استمعت إليها من بعض السيدات اللواتي لم يتزوجن بعد - أو فاتهن قطار الزواج - وتلك الحالات تمثل معاناة حقيقية للمرأة السعودية في مجتمع لايعنى بالحالات الفردية، بل يعتبرها شاذة، على الرغم من تزايدها، وقصة تلك السيدة تتركز في معاناتها في الأوقات المتأخرة من الليلة، عندما تعاني أختها - لوالدها - من ارتفاع في درجة الحرارة طبعاً أختها هذه طفلة صغيرة، حيث إن والدها قبل وفاته تزوج من فتاة شابة من خارج المملكة، وأنجب منها هذه الطفلة، ثم تظل السيدة مع زوجة أبيها ينظران الى الطفلة وهما لا يستطيعان عمل شيء سوى الكمادات لتخفيف درجة الحرارة، ولاتستطيعان الخروج في وقت متأخر من الليلة، والانتظار في الشارع العام من أجل البحث عن تاكسي يقوم بإيصالهما لأقرب مستشفى هذه أزمة حقيقية عاشتها أسرة، مكونة من 4 أخوات، أكبرهن السيدة التي تحدثنا عنها، وأصغرهن الطفلة، إلى جانب زوجة المتوفى، وهناك أمثلة كثيرة تتعرض لها المرأة السعودية في مواجهات جادة - في حياتها اليومية - مع الحاجة الماسة لأن تكون قادرة على التصرف في شئونها بنفسها دون وصاية أحد هناك سيدة بلغت من العمر العقد الخامس، ولم تتزوج، وكانت تقوم بتربية أصغر إخوانها منذ أن كان رضيعاً بعد وفاة والدتها، وعندما أصبح أخوها صبياً في السابعة عشرة من عمره بدأ يتصرف بطريقة - غير لائقة - مع أخته التي تعتبر في مقام والدته حتى بلغ به الأمر لمتابعة كافة تحركاتها، ومنعها ربما من الخروج أو الدخول للمنزل دون إذنه، على الرغم من أنها تعمل في سلك التعليم، ولديها نشاطات ثقافية واجتماعية مهمة مع العديد من الجمعيات، وحصلت على دراسات عليا، دعونا نتأمل شعور هذه السيدة التي لم يحالفها الحظ بالزواج، شعورها عندما تجد أخاها الأصغر الذي قامت هي بتربيته، وهو طفل رضيع يقوم الآن بمتابعتها لأنها ليست كاملة الأهلية هذه قضية خطيرة جداً، حيث إن المرأة في مجتمعنا تظل ناقصة، وليس لها الحق في التصرف وحدها - دون ولي - ولا حتى في تمثيل ذاتها إذا لم يكن هناك ولي أصلاً، وبعضهم يعتقد أنه لا يمكن أن تعيش أي امرأة دون ولي - وهذا غير صحيح هناك سيدات لم يتزوجن، وتوفي والدهن، وبعضهن ليس لديها إخوان، وبالنسبة للأقارب - من أعمام وأخوال - ربما لا يسألون عنهن، هذه من صميم المشكلات التي تعاني منها الكثير من نساء المجتمع، كيف يمكن حل مثل هذه المشكلات.
الدولة قامت مؤخراً بخطوة إيجابية، وجريئة في نفس الوقت، كانت مرفوضة من كثير من أبناء المجتمع، وهي إعطاء المرأة الحق في استخراج بطاقة أحوال مدنية دون أن يكون هناك ضرورة للرجوع للولي - أي أنها يمكن أن تقوم باستخراج بطاقة أحوال وحدها دون أي وصاية بحكم أن هذه البطاقة تمثلها هي وحدها - هذه خطوة إيجابية، والدولة حريصة على كل ما يخدم المواطن رجالاً ونساء على حد سواء دون تمييز، لكن في نهاية المطاف يبقى هناك قرارات يجب أن تنبع من المجتمع ذاته الذين يرفضون قيادة المرأة للسيارة، هم أنفسهم رفضوا حق المرأة في الحصول على بطاقة أحوال مدنية، وقاموا مؤخراً بابتكار فكرة جديدة بمسمى (جلباب الحشمة) وهو عبارة عن مغلف صغير لبطاقة الأحوال يقوم بتغطية صورة المرأة في البطاقة ويبقي المعلومات فقط يتم بيع هذا الجلباب في المكتبات حالياً علماً بأن البطاقة الشخصية هدفها الأساسي التعريف بالشخصية التي لا يمكن أن تتم بمعزل عن الصورة.
المرأة تقود السيارة منذ زمن في أرامكوا، وفي المدينة السكنية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وفي كثير من قرى المملكة، لماذا لم تتعرض للإيذاء، ولماذا لم تتحقق أحلام وخيالات بعضهم التي صورتها الدراسة على أنها شبح مخيف يريد أن يغتال المجتمع السعودي؟.
* كاتب وباحث في المجال الإعلامي
Kald_2345@hotmail.com