وطننا الكبير بحجمه، بامتداده الجغرافي وأصالته التاريخية نستأهله، فهل يستأهلنا؟ هل قمنا ولا نزال بما يتوقعه منا وما يستحقه علينا؟ عالمنا عالم متغير وبسرعة مذهلة، فماذا أعددنا وماذا نعد وماذا سوف نعد لما يحوم ويجري من حولنا؟...
هل ينطبق علينا كأفراد وعلى مجتمعنا ومؤسساته بعض المفردات التي سوف أسرد بعضا منها: الاتكالية، عدم المسؤولية، اللامبالاة، ضعف الإنتاجية، عدم الجدية، العاطفية، الوصولية، حب الذات، عدم الاهتمام بوجهة نظر الغير، تقديم المبررات لكل شيء، عدم الاعتراف بالخطأ، عدم الاستعداد للاعتذار، وهناك المزيد.
هل نحن بالنسبة لغيرنا: لا نقدر الشخص وفق مقدرته، لا نحفز من يستحق التحفيز، لا نشجع من يستحق التشجيع، لا نزور من يستحق الزيارة، لا نكرم من يستحق التكريم، لا نعاقب من يستحق العقاب، ولا نثيب من يستحق الثواب، لا نضع أنفسنا مكان الغير، لا نبالي بمشكلات الغير، نتلاعب بعواطف الغير، نستغل مواطن الضعف في الغير لصالحنا، ولا نوظف مواطن القوة فينا لفائدة غيرنا، هل نحن كذلك بالنسبة لغيرنا؟
بالنسبة لوطننا، هل نعطيه بقدر ما نأخذ منه؟، هل تتعثر مسيرة التنمية الوطنية بسببنا كأفراد، أو مسؤولين أو مجتمع، هل هناك عجز في الأداء يترجم على أرض الواقع عجزا عن تطوير اقتصادنا ونظامنا المالي وسياساتنا المالية وتنمية مواردنا الطبيعية واستثمارها الاستثمار الجيد؟ نريد معرفة مدى التناقص في دخل المواطن وفي مدخره، أو تراكم العقبات أمام وصوله إلى فرص العمل المنتج بالأجر المجزي، أو مدى ضيق السبل أمامه للحصول على حقه في مواصلة تعليمه وتأهيله وتطوير مهاراته. هل هناك عجز وارتباك في الأداء أو عقبات أمام تطوير الاقتصاد الوطني والإصلاح المالي، بما في ذلك إصلاح الميزانية العامة وسياستها المالية؟ ماذا عن تطوير تصريف المال العام وإدارته وإنفاقه؟ هل هناك برنامج لإصلاح الاقتصاد وتطويره؟ هل غابت السياسة الاقتصادية الواضحة التي تسعى إلى تحقيق الغايات المرسومة؟ وما ذلك الذي يبدد الثقة ويبث الإحباط؟ هل ذلك بسبب: غياب البرنامج المنظر لإصلاح الاقتصاد وتطويره؟ أو أسلوب التصرف في المال العام وإدارته؟
يظل الاستثمار العام في التعليم والمعرفة والبحث العلمي والتطوير التقني أساس التنمية الفعال في مواجهة الفقر، إذ إن المعرفة شرط لازم وضروري لزيادة دخل الفرد وتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب. في بلادنا ثروة طبيعية هائلة، وموارد مالية تجعلها قادرة على تنفيذ مشروع التنمية الوطني الشامل وتمكن من الرعاية والرفاه والعدل الاجتماعي وتضع الإنسان بكل حقوقه واحتياجاته هدفا لتنمية حقيقية.
الرغبة في الإصلاح والعزم على مواجهة التحديات وتجاوز العقبات، تؤدي إلى اتخاذ الخطوات اللازمة نحو إصلاح الاقتصاد وتنميته وذلك ببناء مؤسسات والعمل من خلالها. والآلية التي اتخذتها الدولة تمثلت في: (إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى) والغرض من إنشائه تمكين مجلس الوزراء من أداء مسؤولياته وممارسة اختصاصاته في الأمور الاقتصادية واتخاذ القرارات المتعلقة به.
ويدل على هذا التوجه الجنوح نحو تطوير تنظيمي وترتيب إداري ليكون تناول القضايا والمسائل الاقتصادية وسياستها العامة وفق منهج يقوم على الدراسة والتحليل والحوار والمعرفة وتحقيق التنسيق بين الأجهزة الحكومية وغير الحكومية والتكامل بين أعمالها والترابط بين برامجها التنفيذية. البعد المعرفي المتضمن لتحليل المنطلقات والمفاهيم التي يشملها هذا البعد المعرفي. والحوار الذي يأتي في مختلف المراحل: البعد المعرفي وتحديد المنطلقات وبناء الإستراتيجيات وتنفيذها، ثم حوار حول النتائج والتنفيذ.
إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى يمكن أن ينظر إليه على أساس أنه خطوة بارزة نحو الإصلاح المالي والاقتصادي، وقد نص نظامه على عدد من الأهداف، ومنها: رفع معدل نمو الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل وزيادة الاستثمار المباشر وتوفير فرص العمل للمواطنين وتحقيق العدل في توزيع الثروة ومعالجة الدين العام وذلك بتخفيضه والسيطرة عليه ضمن حدود آمنة مقبولة.
ومن اختصاصات المجلس: وضع السياسة الاقتصادية ومراجعة مشروع الميزانية العامة للدولة ودراستها ووضع أسس إعدادها وأولويات الإنفاق وإيرادات الدولة ومصروفاتها وكافة الأسس التي تقوم عليها وتهيئة المناخ الملائم للاستثمار والتنسيق بين الجهات الحكومية في المجال الاقتصادي ومتابعة تنفيذ السياسة الاقتصادية وما تقضي به قرارات مجلس الوزراء في الشؤون الاقتصادية واتخاذ ما يلزم لإعداد الدراسات والتقارير حول الموضوعات الاقتصادية وإعداد تقرير دوري عن الاقتصاد الوطني.
هنالك بعض الوزارات ذات العلاقة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية، بشكل مباشر، وهي: وزارة التخطيط والاقتصاد، وزارة المالية، وزارة العمل، وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة المياه والكهرباء، وزارة الصحة، وزارة التربية والتعليم، هذه الوزارات لا بد أن تعمل بخطوط متلاقية، لا متوازية، مع المجلس الاقتصادي الأعلى. وهنالك أسئلة مطروحة على هذه الوزارات تتعلق بالاقتصاد الوطني، والقوى العاملة الوطنية، وسياسة الإنفاق، ودخول المواطنين، والموارد المائية والطاقة البديلة، والأمور الصحية والتعليمية للمواطنين. نحتاج إلى معدلات الخدمات بمختلف أنواعها من اقتصادية واجتماعية وصحية وتعليمية لمقارنتها بالمعدلات العالمية. عندها نعرف مكان بلادنا إقليميا ودوليا، أما ما يقال أو يكتب دونما وجود بيانات ومعايير فيشكل خطورة ولا يعطي مؤشرات أو توجهات ولا يسهم في حل المشكلات.