حتى وإن عاكس نتنياهو تيار السلام وحاول أن يعترضه بخطاب اللاءات التي ردّ بها على خطاب أوباما، والتي أطلق من خلالها مسيرته الجديدة للسلام، باعتماد شعار حل القضية الفلسطينية أولاً، فإن السلام لا بد أن يتجسد في المنطقة العربية بعد قناعة كل المتضررين من استحالة بقاء الوضع على حاله، الذي تعمل إسرائيل على تجميده في كل حكوماتها وأحزابها.

الموقف الإسرائيلي يعتمد على إبقاء الحال كما هو، ظناً أن ذلك سيفرض أمراً واقعاً لا يمكن تغييره؛ فالملاحظ أنه ومنذ احتلال عام 1967م يعرقل الإسرائيليون أية تسوية تنهي ما احتل في حرب حزيران من أجل الاستيلاء على كل الأرض في تلك الحرب، وتثبيتها كواقع مثلما فعلوا بعد حرب 1948م؛ حيث رفضوا قرارات التقسيم الدولية؛ ولذلك فقد رفضوا القرارَيْن 242 و338 وغيرهما من القرارات التي تعالج إنهاء احتلال حرب 1967م.

وخطاب نتنياهو الذي جاء رداً على خطاب الرئيس أوباما الذي ألقاه في جامعة القاهرة وأطلق من خلاله حملة حل (القضية الفلسطينية أولاً) يصنف كما اعتبره الكثير من السياسيين الفلسطينيين والمحللين العرب وغيرهم بأنه خطاب حرب لاعتراض الحملة الدولية على فرض حل يعيد السلام للمنطقة العربية وينهي التزامات القوى الدولية التي أنهكتها ميزانيات الحروب وأوصلت العالم إلى أزمة مالية طاحنة.

ولمواجهة حرب نتنياهو على مسيرة السلام أخذت القوى الدولية تستعد لمواجهتها؛ فقرار فرض التسوية السلمية في المنطقة قد اتخذ وفرضته مصالح القوى الدولية وفي مقدمتها الدول الغربية، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التي لا علاج لوضعها الاقتصادي المتدهور إلا لوقف نزيف الحروب.. ووقف الدعم اللامنطقي لتعنت إسرائيل الذي جلب كل هذه الحروب والأزمات.. وأوباما ليس وحده الذي سيخوض صراعاً لمواجهة حرب نتنياهو، وهذا الصراع بدأ وإن لم يعلن؛ فإلغاء جورج ميتشل اجتماعه الذي كان مقرراً في باريس بداية لهذا الصراع، وقول السيدة هيلاري كلينتون بعد اجتماعها مع وزير الحرب الإسرائيلي في واشنطن، إشارة إلى مدى إصرار أمريكا على وقف إقامة المستوطنات وتوسيعها، ويسند أوباما في هذه المعركة كل حلفائه الغربيين، إضافة إلى موسكو التي تنشط لعقد مؤتمر سلام القادم مع مساندة الأمم المتحدة.

ماذا تبقى؟!!

لم يبق إلا العرب والفلسطينيون قبلهم؛ فنحن أصحاب القضية لا يزال موقفنا غير حاسم، صحيح أن العرب أعلنوا التزامهم بالسلام كخيار استراتيجي، وأن المبادرة العربية للسلام خطة متكاملة لكيفية تحقيق التسوية التي تجسد السلام.. ولكنه موقف غير مدعوم، بل إننا نضعف موقفنا باستمرار الخلاف الفلسطيني، وانقسام أصحاب القضية إلى معسكرين: معسكر مؤيد لحركة فتح ومعها أغلب فصائل المقاومة الفلسطينية، ومعسكر مؤيد لحركة حماس ومعها نسبة كبيرة من فصائل المقاومة الفلسطينية المعارضة للمفاوضات التي لم تحقق أي شيء. ومع انقسام الفلسطينيين إلى هذين المعسكرين ينقسم معهم العرب ومؤيدو القضية الفلسطينية، وقد أدى هذا الانقسام إلى تمترس القوى والفصائل الفلسطينية، كل حسب اجتهاداته، خلف مصالحها التنظيمية وفئوياتها الضيقة، وبدلاً من السير جميعاً تحت راية واحدة لخدمة الهمّ الوطني أصبح كل فريق يعمل لخدمة مشروع ليس بالضرورة يحقق كل المتطلبات الفلسطينية، وهذا ما شجع نتنياهو على تصعيد لاءاته والجَهْر بحرب على السلام، كما أن التنازع الفلسطيني لا بد أن يؤثر سلباً على الجهد الدولي الذي يجب استثماره، وينكص أيضاً العمل العربي المطلوب تفعيله في هذه المرحلة بالذات وتزويد المبادرة العربية ب(روافع) تحصل منها آلية مثمرة لتحقيق التسوية العادلة.