سئم الليل من سهاده، وانقضى معلنا رحيله، لم تكن تلك الليلة بالنسبة لصابر ككل الليالي فهي كانبثاق جرح جديد.. إنها ليلة ذكرى ميلاده..
نظر ساهما إلى التقويم الذي أمامه، وعلى إثر ذلك سرح به الخيال.. إلى لحظة انبلاج النور في عينيه عندما خرج وليداً تتلقفه القلوب قبل الأيدي..
لقد سميته صابراً تيمنا بهذا الاسم.
هكذا نطق والده بهذه الكلمات.. وما إن نما الطفل وشب حتى بدأ والده يحشو رأسه بعقائده ومفاهيمه.
***
آه.. لقد جرحت يدي أنقذوني..
هرول الأب مسرعا.. صابر ولدي لا تبكي إياك والبكاء كن كما ربيتك..
ولكن.. أبي أحس بألم فظيع..
حسنا أو تريد أن توف بالضعيف؟!.. كن رجلا فالرجال لا يبكون
ضغط على نفسه وبصمت ابتلع ألمه.. محاولاً الظهور كرجل راشد.
***
أن تكابر وتظهر ب لا مهتم تلك فلسفات والده.. والدموع تعتبر ذل ونقصان شخصية..
عندما توفيت والدته لم بكي..؟! أجل لم يبكي.. حاول الظهور أمام الناس بالقوى الصابر..
ولم يعلم أن ذلك شرخ لشخصيته..
لم ينس مقولة صديقه..
يا أخي أو تعتبر الدمع عيبا؟ إذا من لتلك المشاكل والهموم.. لم يؤذن لها بانفراج؟؟!
ألم تنفس يوما عن ألمك بدمع محاولاً ولو محو شيء من آثاره؟؟
يا صابر.. أتظن أنك طبقت معنى الصبر بحذافيره.. إنك أبعد عنه كبعد الثرى عن الثريا.
تطلع صابر إلى صديقه وعلامات التعجب ترسم على وجهه.
أتريد أن أوصف بالضعيف الواهن.. محال أن يكون ذلك.
حينها سكت صديقه إذ كف باستطاعته تغيير فكرة تشرب منها وارتوى لحد الثمالة بعد أيام.. نعي إليه وفاة صديقه بحادث مروري.
ولم يبك.. حتى مع نفسه!!
توالت عليه أحاديث الأيام.. ومر عليه شريط الذكريات كمن فتح بكرتها معلنا لها الانطلاق.. أحس بقلبه بضيف.. وإن الدنيا برمتها لا تسعه.
تراءى له من على المنضدة كأس فيه ماء.. أخذه ليروي ظمأه.. وليطفئ النار المستمرة في داخله.. لم يستطع أمساك الكأس بقوة..
يا إلهي هل أنا ضعيف إلى هذا الحد؟؟ تراخت يده.. وتسلل الكأس من بين أنامله..
حاول الإمساك به ولكن كان سقوطه أسرع..
وقع على قدميه، فأدمى إصبعه.. قرصات الألم بدأت تعاود الكرة بالأمة وإنهاك قواه..
أحس بحرارة على وجنتيه، وقطرات بللت يده..
هل من المعقول أن السقف يمطر؟! يبدو ذلك.
لبرهة.. تطلع إلى وجهه في المرآة.. فإذا الدموع قد طفقت متتابعة. معلنة انتهاء مرحلة السجن وفي محاولة يائسة للتجرد أمام العيان في لحظة انكسار!!
أحس بطعم الدموع.. فإذا هي تذكره بشيء ما.
آهـ إنها نفس الدموع حين ولادتي
يا إلهي أمن المعقول؟!
أنا صابرا! لم أبك على ما هو أمر من العلقم وأشد من وقع الحسام.. أبكي على شرخ في رجلي تجرعت مرارة الأيام أحاول سد منافذ الدموع.. فتأتي لوهلة تهدم ما بنيته..
ومن بين لمعان تلك الدموع.. انعكست له صورة والده التي في الحائط..
حينها.. سقط صابر معلناً انتهاء صفحة حياته التي كانت ما بين دمعتين وشتان بينها..
مخرج:
الكثير من المشاكل تكون كالقشة التي تقصم ظهر البعير.
طيبة الطواله - الثانوية الأولى بالزلفي