غزا الطوفان المادي المعاصر مجتمعنا فأضحت النظرة المادية البحتة هي التي تتحكم في الكثيرين ولم يعد يملأ عيونهم إلا التراب، ولو كان الأمر يقتصر على المال المباح لهان الأمر كثيراً، للمستضعفين منهم على الأقل، متناسين أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله تعالى حجاب وأنه سبحانه قد وعدها الإجابة ولو بعد حين.
ومن هذه الأمور الغريبة التي استوردها بعضهم من المجتمعات الأخرى دون ضابط أو تمييز والهدف منها سرعة الكسب المتورم، تلك المساهمات الجماعية التي يقودها بعض المستثمرين والمتاجرين الذين يصطادون الناس بطعم مغرٍ في البداية يجعلهم ينساقون دون رويّة أو تدبر، ولا سيما إذا كان من يقودها يوحي بالثقة، فيرمون إليه أموالهم وهم آمنون مطمئنون، حتى يصدموا بالواقع الأليم الذي تتبخر فيه مدخرات أعمارهم وهم مسلوبو الإرادة.
وقد كثرت هذه الظواهر مؤخراً التي كان بدؤها آمالاً وآخرها سراباً، ومنها إحدى مساهمات التمور وهو اسم لإحدى المساهمات الكبرى الشهيرة في المملكة التي تسابق الناس في مجتمعنا إليها زرافات ووحدانا نساءً ورجالاً، لكي يستثمروا أموالهم من خلالها عبر طريق المساهمات فيها، وكانت في بداية ظهورها تبدو مبشرة مثيرة لتفاؤل الكثيرين والكثيرات، حيث فتحت بيوتاً محتاجة من خلال أرباحها السنوية الملموسة وأصبحت مورداً جيداً للعديد من المساهمين والمساهمات.
ولكن وعلى حين غرة توقف هذا النبع الفياض وترك الناس مشدوهين مصدومين، ولا سيما أنه اختفت معه حتى رؤوس أموالهم أيضاً! بل والأدهى أنه اختفت معه كذلك رؤوس أموال من ساهموا معهم مؤخراً طامحين في أن ينالوا مثلما نال نظراؤهم من أرباح، ولكن المؤلم أنه اختُطفت رؤوس أموالهم قبل أن يحصلوا حتى على أي أرباح ولو يسيرة، وهم الآن رضوا من الغنيمة بالإياب.
وكان الذي يصبّر هؤلاء المكلومين في الماضي ما يسمعونه من أخبار مثيرة للتفاؤل من هنا وهناك، سواء عبر الصحف أو إحدى وسائل الإعلام الأخرى، أو اجتماعات قضائية أو شعبية، ولكن الذي ضاعف حسرتهم أن كل تلك الأصوات المطمئنة أو المبشرة اختفت منذ آخر وعد معلن واعدوه الناس المسلوبين، وهو المزاد العلني الذي كان موعده منذ عام تقريباً ولم يتم!؟
ولم يعد يسمع الناس المحبطون حتى أصوات المماطلة التي كانت توهمهم أن الفرج قريب، بل طغى عليهم الخوف من أن يأخذ بعض ضعاف النفوس ما يستطيعون أخذه من أموال المساهمين المغلوبين على أمرهم، ثم يبقى الوضع المأساوي على ما هو عليه إلى أن يشاء الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منبهاً أمثال هؤلاء: (من اقتطع حق امرئ مسلم فقد أوجب الله عليه النار وحرم عليه الجنة).
والأمل الأخير للناس الذين طال كربهم عدة سنوات: هو أن تنالهم عناية الخالق ثم اهتمام ولاة الأمر في بلادنا الحريصين على مصالح المسلمين الذين منهم الأيتام والأرامل والجمعيات الخيرية والمقطوعون إلا من رحمة ربهم، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
g.al.alshaikh12@gmail.com