سألني سائل ذات مرة: لماذا تصرّ على وضع صورة والدتك رحمها الله في مكتبك.. بحيث تنفرد برؤيتها وحدك دون سواك فقلت: أفخر كثيراً ب(رفقة) طيف سيدتي الوالدة، في كل زمان ومكان.. عبر صورة قديمة التقطتُها لها رحمها الله ذات يوم بمنزلي في الرياض.
***
* أما عن سر وجود صورتها في مكتبي تحديداً، فلذلك أكثر من تأويلٍ وأكثر من سبب:
- فهي نبع حنان لي لا ينضُب، في حياتها وبعد رحيلها إلى ملكوت الفردوس بإذن الله، وأستمد من حضورها الرمزي -بعد الله- قوة وإلهاماً!
- وهي (مدرسة) أقتدي بالكثير مما كانت تقوله وتفعله، وتأمر به وتنهى عنه، وتهمس به وتعلنه!
- وهي التي علمتني حبّ البشر، بما لا يتعارض مع حبِّ الخالق، وكرامة المخلوق!
- وهي التي كانت تدعو لي دعاءً مستجاباً بإذن الله بكل ما يسرّ المؤمن ويسعده.. حتى لحظة وفاتها قبل نحو عقد من الزمان!
- باختصار، كانت والدتي رحمها الله وأرضاها، في حياتها وبعد مماتها، روضة تفوح إيماناً وحباً وعزماً يبز عزم بعضنا نحن معشر الرجال، والذين عرفوها وتعاملوا معها عن كثب، يشهدون لهذا القول ويشفعون له!
(2)
* كتبتُ مرة خاطرة عن والدتي عبر لقاء أدبي، واصفاً روحها (المتمردة) ضد كل ما فيه (عوج) من أمور الدنيا، ومقتدياً بها، فقلت:
- ورثت عن سيدتي الوالدة نزعة التمرّد على الموقف الصعب، ثم لا يخمد بركانه في طبعي حتى أنجزه، ولا أزعمُ هنا أنني حققت الغلبة على كل موقف صعب ضمن مشوار عمري الطويل، لكن خيار (المواجهة) مع الموقف يظل ملازماً لي، فإمّا كان لي ما أردتُ منه فيما بعد أو انصرفْتُ عنه إلى خيار آخر يحقق لي ما أريد!
***
- كذلك كان طبع سيدتي الوالدة رحمها الله، ثقة في النفس، وصلابة في العزم، وثباتاً في الإرادة، ومنها تعلمت الإصرار على تحقيق الهدف المنشود، وفي سبيله أحترق داخلياً حتى أبلغ منه كل أو بعض ما أريد!
(3)
* لا أسلو قط عن حديث الذكريات.. ولا أملّ لها ذكراً؛ لأن لي في ذلك تبصيراً.. وتذكيراً بأنعُم الله عليّ الذي بدّل عُسْرَ أمسي الغابر يسْراً، وفي ظني المتواضع أن نسيان المرء لماضيه.. أمرٌ مرغوبٌ في جانب، ومكروهٌ في جانب آخر!
* هو مرغوبٌ إذا كانت ذكراه تلهمُ صاحبها الشكر لله فيشكر، وتشحذ عزمه بحثاً عن الأفضل، فيجودُ من نفسه بذلاً في سبيل ذلك حتى يُدرك كل أو جلَّ ما يريد!
***
* وهو مكروهٌ إذا كان صاحبه (يجترّ) ما كان من أمره، إمّا للسلوى العابرة أو لجَلْدِ الذات حسرةً على ما فات من عمره، مخلفاً بذلك (رماداً) من الشؤم في أعماق نفسه لا يفتأ (يُلبسه) كلَّ شيء في حياته! ولله في خلقه شؤون!