العقلية المؤسساتية، هي تلك العقلية المؤسسة أساساً سليماً، والمؤسسة عموماً نابعة من تأسيس الشيء، أي بناؤه بناءً معتمداً على أساس قوي، وعموماً فإن التفكير بالعقلية المؤسساتية، هو من أساليب التفكير النادرة في مجتمعاتنا، وهذا لا يتوقف على التفكير الفردي، بل إنه يتجاوز ذلك إلى طريقة عمل المؤسسات ذاتها، ولهذا تجد أنها أهلية كانت أم حكومية لا تعتمد على طرائق للتفكير المعتمد على تنفيذ المشروعات بناءً على خطط وإستراتيجيات اعتمدت على دراسات دقيقة وفاحصة لحاجة تلك المؤسسة وطبيعة عملها، والمنتج الذي تقدّمه، ودراسة المستهدف من الأمور المهمة في هذا الصدد، والعميل الذي يحدد حجم المستهدف ونوعيته، وطبيعته، إننا عندما نريد أن نضع خطة يجب أن ندرس كل تلك الأمور، وقبل ذلك نقرر ما إذا كانت هذه الخطة، خطة بعيدة، أو متوسطة، أو قصيرة، وأي خطة هي في الأساس معتمدة على رؤية، تنبع من السياسات العليا للمؤسسة، وليس كما يعتقد البعض أن السياسات العليا تشتمل على الأهداف، فالسياسة العليا تنظيم خاص للمؤسسة يتضمن الرؤية العامة في حين أن الأهداف التي تمثِّل طريقة العمل وآلياته هي أمر آخر.
ولهذا يجب علينا قبل البدء في أي خطوة أن نضع أهدافاً تحقق الرؤية العامة للمؤسسة، وعلى ضوء هذه الأهداف نضع الإستراتيجية التي ينبغي أن تحقق تلك الأهداف، ودراسة الأهداف دراسة عميقة مسألة في غاية الأهمية، حيث إن لكل هدف إستراتيجية خاصة لتنفيذه، وهذا ما يجعل بعض المؤسسات أو كثيراً منها لم تحقق النجاح المطلوب لأنها بكل بساطة لم تفرّق بين الهدف وبين الإستراتيجية وتخلط بينهما، بل إن هناك مؤسسات تعليمية ليست لديها أهداف واضحة، ولا رؤية، ولهذا فلا يمكن لمثل هذه المؤسسات أن تقوم بعمل إستراتيجية لتحقيق أهدافها.
والخلط الناتج عن المقولة الشائعة (أهداف إستراتيجية) هو الذي جعل الكثيرين يقعون في الخطأ في فهم هذه الأمور التي يجب أن تكون أموراً مسلّماً بها فيما يخص التخطيط، حيث إن الهدف يسبق الإستراتيجية، وليس العكس، ولهذا يمكن لنا أن نقول بالعكس (إستراتيجية أهدافي (لأنها - أي الإستراتيجية - هي التي تنفذ لك أهدافك.
لهذا من الضروري أن نفرّق بين إدارة العقول وبين إدارة العجول، حيث إن حرفاً واحداً في لغتنا الجميلة يمكن له أن يغيّر المعنى.
وهذا الأمر الذي يصيبنا بمرارة عندما نفكر فيه، يجعلنا نتساءل بكل حزن سؤالاً مشروعاً (إذا كانت المؤسسات تفتقد للتخطيط الإستراتيجي، فكيف للأفراد أن يمتلكوا تفكيراً إستراتيجياً؟) إن الإشكالية الرئيسية في هذا الأمر تكمن في نظام التعليم الذي يبتعد بالفرد - طالباً كان أو معلماً - عن كل الوسائل المساعدة على تطوير أساليب التفكير، وأقلها اعتماد التعليم على درجة متدنية من درجات العقل وهي (الحفظ والاسترجاع) مع وجود نزر يسير للتحليل والاستنتاج - على استحياء - في درجة التعليم الجامعي فقط، بعيداً عن العمليات العليا للمخ والمتركز في أساليب من أبرزها: التفكيك والتركيب، والتحليل والاستنباط، والاستنتاج، وغيرها، أين هذه العمليات، ولماذا لا يتم استخدامها، بكل بساطة لأنها غير موجودة في حياة الطالب في كافة مراحل التعليم العام، ولهذا ندر أن نجد في مجتمعاتنا مفكرين، أو مبتكرين، أو مخترعين.
إننا اليوم نواجه واقعاً مغايراً عمّا كنا عليه بالأمس، نحن نواجه العالم برمته، والعالم اليوم ينظر إلى دولنا على أساس كونها دولاً اقتصادية، تمتلك ثروة هائلة على المستوى المادي، لكن يجب أن نساعد أنفسنا لنغيّر الصورة عنا التي تؤكّد دوماً أننا مجتمعات استهلاكية لا تفكر سوى في الأكل والشرب، والشراء والادخار من أجل تحقيق مزيد من الاسترخاء والرفاه على حساب عقولنا، وعلى حساب شبابنا القادر على الابتكار والإنتاج، والعمل الجاد، إذا تمكّنا من إعادة النظر في المقررات الدراسية، وإدخال مقررات جديدة تساعد على التفكير، وتنمي العقول، وتيقظ الأذهان سيكون للأجيال القادمة مقدرة على مواكبة العصر القادم، إننا أمام تحد حقيقي، فماذا يمكن لنا أن نصنع لمواجهة هذا التحدي.
مستشار تدريب - معهد الأمير أحمد بن سلمان للإعلام التطبيقي، باحث في الشؤون الإعلامية
Kaid_2345@hotmail.com