احتفل البعض بتجميع قوات الاحتلال الأمريكية في معسكراتها في العراق تمهيداً لسحب الجزء الأكبر من هذه القوات المحتلة، إذ من المفترض أن يبدأ إعادة هذه القوات إلى أمريكا أو نقلها إلى قواعد أمريكية سواء في أفغانستان أو ألمانيا قبل نهاية عام2011م.
الاحتفالات اقتصرت على المستفيدين من هذا التقليص، والذين هم أنفسهم الذين استفادوا من قدوم الأمريكيين عند غزوهم العراق واحتلالهم لهذا البلد العربي، فالأمريكيون فرضوا واقعاً جديداً لم يقتصر على التغيير السياسي فحسب، بل شمل حتى التغيير الديمغرافي، فبعد فتح الحدود الشرقية تدفق الكثير من غير العراقيين، وبالتحديد من الفرس، ليزيد عددهم ويصبحوا مؤثرين في مفاصل الحياة السياسية والأمنية خاصة في المحافظات الحدودية والجنوبية، وأصبح الكثير منهم يديرون الوزارات والمؤسسات الحكومية العراقية بعد أن أصبحوا عراقيين وحملوا أسماء عربية..!!
الآن انكفأ الأمريكيون إلى (الثكنات) العسكرية، وأعلن نائب الرئيس الأمريكي جوبايدن(صاحب مشروع تقسيم العراق) الذي حضر إلى بغداد لتتويج مناسبة الانكفاء بعد تكليفه من قبل الرئيس أوباما بالإشراف على الملف العراقي، أعلن هذا (البريمر الجديد) بأن الإدارة الأمريكية ستقدم ما يمكن تقديمه في مساعدة العراقيين في حل التحديات التي تواجه العملية السياسية، وهي مشاكل عراقية ينبغي أن ينشط العراقيون في الوصول إلى حلول توافقية لمعالجتها، ولكنها -أي أمريكا- لا تريد أن تتدخل في الشأن الداخلي العراقي..!!
هكذا، إذن فبعد أن أنجز الأمريكيون المهمة، ودمروا الدولة العراقية، وسلموا العراق إلى إيران، وزرعوا فتنة الطائفية، وأثاروا الصراع العرقي. يتركون العراق ولا يريدون أن يتدخلوا في الشأن الداخلي بعد أن قووا طائفة على أخرى، ووضعوا أسس انفصال الشمال عن العراق.. وغيروا كل شيء.. ينفضون أيديهم..!!
هذا الموقف الأمريكي يذكر العرب بما فعله البريطانيون في فلسطين الذين احتلوا فلسطين فسلموها إلى اليهود، والتاريخ يظهر لنا أن إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وتشريد الفلسطينيين، وكل الحروب التي شهدتها المنطقة العربية مسؤولة عنها بريطانيا التي جلبت اليهود إلى أرض فلسطين وأنشأت إسرائيل، ثم أوكلت إلى أمريكا تنميتها ودعمها وتقويتها. وسوف يتذكر العرب، ويذكر التاريخ: كيف دمرت أمريكا الدولة العراقية، ودمرت العراق ومزقته، أرضاً وشعباً لتقسمه عملياً، وأفلست بعد أن كان غنياً، وسلمته إلى الإيرانيين، وإذا لم يسارع العرب وغير العرب للحفاظ على العراق فسوف يضيع مثلما ضاعت فلسطين.. فبعد تخلي أمريكا من مسؤوليتها بعد أن ضربت كل شيء ومهدت لتسليم العراق إلى الغرباء.. على العرب التحرك.. حتى وإن جاء متأخراً.