قالت العرب في حكمها: (دع الناس، وأنت من الناس)، ولكن مشكلة الفرد من الناس أنه من هؤلاء الناس، فكيف به أن يدعهم وهو منهم، فحياته مربوطة بهم، فلا بد له وهو في حياته.......
...أن يتعامل ويتفاعل معهم مهما كانت نتائج هذا التعامل أو هذا التفاعل حسنة أو سيئة بالنسبة له، فالبشر من حوله في كل مكان وزمان، في البيت والشارع وفي يقظته ونومه، وفي نجاحه وفشله فالحياة في جوهرها هي الإنسان. ولذة الحياة أن الناس فيها أشكال وألوان وطبائع متفاوتة، ورغبات متعارضة، وصراعات متنوعة وأهداف كبيرة وصغيرة، كل فرد من هؤلاء الناس له ميوله ورغباته وطموحاته التي تختلف عن الآخرين حتى بين الآباء والأبناء.
وقد ورد في تراث الأمم والشعوب أقوال تدور حول هذه القضية. قيل: تعلَّم قول: (لا أدري) فإنك إن قلت: (لا أدري) علموك حتى تدري، وإن قلت: (إني أدري)، سألوك حتى لا تدري. وقال معاوية للأحنف: صف لي الناس! فقال: رؤوس رفعهم الحظ، وأكتاف عظمهم التدبير، وأعجاز شهرهم المال، وأذناب ألحقهم الأدب، ثم الناس بعدهم أشباه البهائم: إن جاعوا ساموا، وإن شبعوا ناموا. وقال معاوية لصعصعة بن صوحان: صف لي الناس! قال: فارس يذوبُّ عن البيضة، وزارع يسعى في العمارة، وعالم يشتغل بالديانة، ورجرجة بين تلك تكدر الماء، وتغلي السعر.
وقال بعضهم - بعض العرب -: لا تنظروا إلى من قال، ولكن انظروا إلى ما قال: وقال عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -: (أبت الدنانير إلا أن تبرز أعناقها). وقيل: الأيادي ثلاثة: يد بيضاء، وهي الابتداء بالمعروف، ويد خضراء، وهي طلب المكافأة، ويد سوداء، وهي المن بالمعروف. وقال عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أيضا: كفى بك غيّاً أن يبدو لك من أخيك ما يخفي عليك من نفسك، أو تؤذي جليسك فيما لا يعنيك، أو تعيب شيئاً وتأتي مثله. وقيل: ليس أحد من الناس إلا وله شبه: إما من ذاته، وإما من غيره، فمنهم الغشوم كالأسد، والخاطف كالذئب، والخاتل كالثعلب، والأبله كالحمار، والحسن المنظر دون المخبر كالدفلي (نبت مر زهره كالورد الأحمر) والمحمود الظاهر المذموم الباطن كالنمر، والرديء الظاهر الجيد الباطن كاللوز، ومنهم الجامع لكل ما يحمد كالأترجة (ثمر شجر من جنس الليمون) الجامعة مع حسن المنظر طيب الرائحة والطعم. ومن أقوالنا - حكاياتنا - الشعبية: إن مجموعة من الأشخاص دعوا إلى وليمة فلما أحضر الطعام مد أحدهم يده عليه ليأكل، وكان الأكل حاراً فرفع يده بسرعة وهو يقول: (أخ) من شدة الحرارة، فقالوا له: اتركه حتى يبرد، فرد عليهم بسرعة وهو يقول: لو تركته حتى يبرد لأكلتموه أنتم قبل أن يبرد. وقال أبو الطيب المتنبي:
غاضَ الوَفاءُ فَما تَلقاهُ في عِدَةٍ وَأَعوَزَ الصِدقُ في الإِخبارِ وَالقَسَمِ
يقول: لقد نقص الوفاء فيما بين الناس، فما تراه في عدة، أي إذا وعدك أحد الناس بشيء لم يف به، وقد أعوز الصدق، أي قل، فما يوجد في أخبار، ولا قسم، إذا أخبرك أحد بشيء، فما يصدق فيه، وإذا حلف وأقسم لم يصدق. وقد قيل: من لم يكن كلامه موافقاً لفعله، فإنما يوبِّخ نفسه. وقيل: (الغدر من صغر القدر). وقيل (إن الوعيد سلاح العاجز الحمق).
***
أخذت بعض الأقوال السابقة من كتاب (الحكمة الخالدة) (1420-2000م) لابن مسكويه، تحقيق وتقديم عبد الرحمن بدوي.