قطاع المقاولات يمثل أحد أكبر القطاعات الاقتصادية في المملكة بعد النفط، وتمثل تشابكاته مع القطاعات الاقتصادية الأخرى رحما ولادا للفرص الوظيفية المتنوعة على الصعيدين الخدمي والسلعي، هذا القطاع الضخم دائما ما يمثل رافعة الاقتصادات ومحرك نشاطاتها ومؤشر الازدهار للقطاعات المكملة الأخرى، وقد كان في طفرة المملكة الأولى محور الارتكاز في دعم الخطط التنموية وعصب التخطيط لها، واليوم ونحن نشهد النهضة الاقتصادية الجديدة - في عهد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله - وضخامة وتنوع المشاريع التي تحويها يقفز هذا القطاع إلى دائرة الضوء مرة أخرى بتجدد الحديث حول حصة العقود بين المقاول المحلي والأجنبي لتبرز أطروحات المفاضلة بينهما استنادا إلى اكثر من طرح وتبرير، وبعيداً عن جدل المفاضلة هذا فإن الرؤية الفاحصة لمنجزات القطاع تؤكد أن هذه المشاريع تمثل اليوم استثمارا في أصول هي رصيد للوطن وأبنائه، ولابد من اسنادها إلى شركات تتبنى معايير صارمة للجودة والأداء، وتملك رصيدا من الخبرات والإنجازات بغض النظر أكات محلية أم أجنبية.
وقد نشر في صفحات (الجزيرة) أمس الأول رأي لأحد أعضاء مجلس الشورى السابقين يحمّل فيه المقاولين السعوديين مسؤولية فقدان ثقة الجهات الحكومية فيهم لترد اليوم وفي هذه الجريدة لجنة المقاولين بأن شركات المقاولات المحلية هي المعاهد التي تدرب فيها المقاولون الأجانب وهي من صهرت خبراتهم ليعودوا إلى السوق المحلي من بوابة الاستثمار الأجنبي فيما بعد، وحديث كهذا يدفعنا إلى التساؤل حول طبيعة المنافسة وقدرة الشركات المحلية التي تملك خبرة طويلة في السوق المحلي على إعداد نفسها كمنافس مقنع بعد تاريخ طويل من التمتع بالامتيازات والفرص، والحقيقة أن لدينا تجارب محلية تستحق الإشادة والإبراز في انشاء مشاريع ضخمة بالمعايير العالمية لكن هذه النماذج ينبغي ان لا تجعلنا نتجاوز بنية القطاع والواقع الذي يشهده؛ حيث لابد من التركيز على إعادة بنائه وفق معطيات المرحلة وتطوير علاقته بسوق العمل المحلي من خلال خطط وبرامج طويلة المدى تساهم في اشراكه بشكل فعَّال في رفع مستوى المهارة لدى العمالة المحلية، وتأسيس ثقافة الإنتاج المهني والقدرة على المنافسة بناء على الجودة والالتزام. كما ينبغي النظر بشكل جدي ومن جميع الجهات المعنية إلى الأسباب التي تمنع هذا القطاع من الوفاء بالتزاماته وتفعيل مشاركته بالشكل الصحيح.