تخيل..! لو أن كل شخص في عالم يسكنه أكثر من (6000) ستة آلاف مليون من البشر أشعل شمعة صغيرة، إذن لكان النور المتولد من هؤلاء الراغبين في إزالة الظلام أكبر مما يتولد من طاقة مفاعلات نووية ضخمة في كثيرٍ من مدن العالم.. فكرة، وغيرها كثير، قديم وجديد، ولو كانت خيالية..
...فهي تذكرنا بأن كل فرد منا له قيمة ويستطيع أن يصنع جزءاً من الحل المأمول، وقد قيل مراراً: إن تشعل شمعة واحدة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة!.. ومعناه ألا نكف عن العمل في أي موقع وبأي جهد مهما كان حجمه. وفي الاتجاه الصحيح.. والهدف معروف، والمطلوب تأكيده وترديده لي ولك وللناس جميعاً، مبدأ مشهور:
لا تحقرن من المعروف شيئاً مهما صغر، أو في الحقيقة مهما بدا صغيراً.
وإذا رفعنا أبصارنا للسماء - ويجب لأننا ننسى - فإن كل الأجرام والشموس الملتهبة والكواكب الضخمة التي لا نراها لأننا ندمن النظر للأرض، هي مجرد ذرات صغيرة غاية في الضآلة..! إننا كأفراد مجرد ذرات وحين نتجاذب ونتجمع نصبح أجراماً ضخمة وشموساً هائلة بكل أبعادها وآثارها.
والسر الذي تبديه أو تخفيه تلك الأجرام الهائلة التي تمرق من حولنا في كل لحظة أن لها (مركز جاذبية)! وأنها بقوته تتجمع، وأنها بالتالي تلتزم بقانون أو قوانين دقيقة تجعلها (متماسكة).. (ومتناغمة).
والضوء والحرارة، وكل الآثار الهائلة التي تشكل حياتنا على هذا الكوكب أو القرية العالمية المسافرة في الفضاء، إنما تصدر بفضل هذا النظام. فإذا فقد هذا المركز أو انفجر.. انفرطت أعظم الأجرام وأقواها وتبددت الذرات في أبعاد كونية سحيقة!..
وكذلك المجتمعات والحضارات فإنها تبقى ما بقي لها مركز جاذبية!
ولذلك فلو عمد كل ساكن لهذه الأرض إلى شمعته فأوقدها وفق تقديره المفرد أو أشعلها بعد أن تنتهي وتذبل شمعة الآخر.. ما أضاء طريقاً أو غرفةً صغيرة بهذه الذبالات المتوالية الضئيلة، إنها متوالية لا تجدي، فشمعة تذبل وشمعة تضيء! لكن الأرض كل الأرض يمكن أن تشرق بالنور، إذا أضاء الجميع شموعهم في ساعة واحدة ولحظة محددة، والأمر مجرد مثال يوضح القضية ويقربها للذين يعملون الخير في هذه الدنيا والذين يبتغون مخلصين وجه الله، حتى يكون لهم مركز جاذبيتهم الذي منه تنبعث القوانين التي بها يلتزمون وإلا فإن للشر في دنيانا جاذبيةً وقانوناً وتنظيماً مهولاً يدين به أهلوه ويحققون به من المكاسب.. مبالغ باهظة ربما عجزت عن كسبها حكومات وشعوب تقطن أكثر من ثلثي العالم.
وانظر حولك ولا تحقرن من الشر شيئاً مهما صغر، أو قل: مهما بدا صغيراً متقطعاً عارضاً ضعيفاً في بداياته!!، سواء كان في البيت أو في الشارع أو في المدرسة أو المؤسسة أو في الوطن أو في العالم كله.
إن العالم والوطن أيضاً أصغر مما يبدو بكثير، فإذا أمسكت نيران الشر بأحد أطرافه فسرعان ما تتواصل لجميع أطرافه، ذلك أن المجتمعات خصوصاً إذا ضعفت فإن قابليتها للعدوى والالتهاب تكون مثل قطعة النسيج المبللة بالبترول إذا ما أوقد في طرفها عود ثقاب.
وحسبك دليلاً أن زارع المخدرات أو تاجرها فقيراً أو جاهلاً وطموحاً في (المثلث الذهبي) في أقصى الشرق من الأرض يطول عقول الشباب المتعلم الغني الذي انحرف عنده معنى الحرية في أقصى الغرب فيهددها، كما يهدد معادلة التنافس على القوة والثروة بين هؤلاء والبلدان الأخرى العازف شبابها عن تعاطي المخدرات.
ولعل التفات المجتمعات البشرية من قديم لتربية أطفالها وتعريفهم بالخير وتدريبهم على أدائه وتبصيرهم بالشرور وحثهم على اجتنابها، هو تطبيق لهذه النظرة التي لا تستهتر بالبدايات وإحساس مبكر بالخطر في مكمنه والإنذار به.
نعم..! إن الطفل اليوم تهدهده بين يديك، قد يعجز عن فعل الخير أو إتيان الشرور. ولكن انظر إليه في الآتي من صفحات الجرائم اليومية المروعة حين يقتدر عقلاً وعضلاً، تجد عجباً من أفانين الشرور في الجرائم الفردية والجرائم الدولية عابرة القارات والحدود.
ومثلها الفادح في (المخدرات) يحدثنا عنها اليوم العالم أجمع.. وأسأل متى استفاقت المنظمات الدولية؟.. لقد جاءت الإفاقة متأخرة سنوات متطاولة بعد أن غطت شبكات جرائمها العالم كله، دوله العظمى والصغرى، الغنية والفقيرة، المتقدمة والمتخلفة، التي أتقنت الحاسب وتلك التي تعجز عن الأبجدية!
وهذا معناه بكل الوضوح أنه لا العلم ولا المال ولا القوة استطاعت أن تحمي الحياة الإنسانية المأمولة.. في الوقت المناسب وبالسلاح المناسب.
ومعناه أيضاً أننا على مستوى العالم قد عجزنا عن التدبير لتربية أخلاقية، لها نظرية دقيقة في مقاومة الشرور وتحديد ما يهدد النفس والمال والحرية والأمن والعرض كي تسلحنا بالحساسية فتستنفر كل من رأى منكراً لمقاومته مهما بدا ضئيلاً.. ولو استكن فكرة أو مشروعاً في غياهب العقل والأهواء.. تربية تطهر الضمير كل يوم.. وتقيم من الفرد قيماً مراجعاً حسيباً على نفسه في كل ليلة.. والمجتمع كله من ورائه يذكره بلا هوادة أو تهاون!!..
والله الهادي إلى سواء السبيل