المال كما يكون زينة الحياة الدنيا يسر مباهجها ويقرب شهواتها، فقد يكون كذلك سياج الدين وضمان بقائه ومدد تسليحه وحمايته، وقد قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
والمال بكل أنواعه وأشكاله لا غنى عنه أبدا هو المعين في السراء والضراء. والمال في نظر الإسلام يعتبر سلاحا بيد الجندي يدفع به عن وطنه أو يحرس به الأمن في بلده، وهو كذلك سلاح في يد المجرم يقتل به الآخرين.
ومن المعروف أن للإنسان الحق المطلق في كسب المال بكد يمينه وعرق جبينه، ما يقيم به معايشه وما يصون به مروءته وما يربي به أولاده وما يحفظ به عرضه، ولكل إنسان الحق كاملا في هذا، والباري - عز وجل - يرفض أي عدوان على حق التملك، ويرفض اجتياح حقوق الناس دون سبب مشروع، يقول جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}وتداول المال بين الناس بالحق أمر مشروع، خذ مثلا القرض الحسن أو ما يعرف عند الناس بالسلفة، فهذه تدخل ضمن التعامل بين أفراد المجتمع في صورة واضحة بعيدا عن الغش والتدليس وبعيدا عن الربا.
وفي عصرنا هذا ما أكثر المتسلفين ولكن هؤلاء - وبكل أسف ومرارة - لا يعيدون الأموال لأصحابها إلا بعد مشكلات قد يكون لها آثار سلبية على الأفراد والمجتمعات وحدث هذا كثيرا. وقد قيل إن المتسلف أبو زعلين إذا طلبك ولم تعطه غضب، وإن أعطيته وطلبت منه إرجاع ما بذمته غضب أيضاً، فمن الأجدر أن يغضب ونقودك في جيبك لا أن يغضب ونقودك في جيبه، والإسلام في سماحته لا يبيح الاعتداء على أي إنسان لا على نفسه ولا على ماله ولا على عرضه وعلى الإنسان أن يكرم أخاه الإنسان!
وليس عيبا على المرء أن يرى لأهل الفضل فضلهم؛ لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله ولأن كرامة الإنسان وقيمته تزيد بفضل أعماله وإحسانه، ولأن ذلك يشجع على انتشار الفضيلة وينمي الشعور بالأخوة وبناء علاقات حميدة بين الناس، قال الهادي البشير عليه الصلاة والسلام وعلى آله وأصحابه: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وقال - صلى الله عليه وسلم -: من صنع لكم معروفا فكافئوه. فكيف يرضى هذا المتسلف أن يهضم حقوق من أسدى اليه معروفا ويعامل من أحسنوا إليه بالإساءة والمماطلة والتهرب وعدم الاعتراف بالحقوق والتنكر لأهل الفضل؟ قال تعالى: {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أشياءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}
إن من يأكلون أموال الناس ولم يردوها إلى أصحابها يمثلون في جهلهم وحماقتهم الانحراف الذي يجب ألا يكون في مجتمع مسلم متحاب متكاتف متعاون، فما ذنب من أحسن إليك بأن تعامله بالإساءة؟ إن المتسلفين في هذا العصر هم عالة على المجتمع وبسببهم توقف كثير من أهل الخير عن إقراض الناس، حتى أن كثيراً من أهل الخير فقدوا صداقة أقربائهم وفقدوا أصدقاءهم، نعم، إن هؤلاء المتسلفين لا يؤمنون إطلاقا بنشر روح الأخوة الإنسانية، ولأنهم لا يحبون الخير إلا لأنفسهم على الرغم من وعيهم بأهمية الأخذ والعطاء وأن اليد العليا خير من اليد السفلى، ولأن المصداقية فقدت عند هؤلاء فإن عمل الخير قد قل عند أهل الخير؛ لأن المعطي كان يأمل من تفريج كربة أخيه هو أن يفرج الله كربة عنه يوم القيامة، ثم ألا يجد الجحود والنكران، وأن يكون الجزاء من جنس العمل، وهو بذلك كالذي يزرع الزرع وينتظر الحصاد. فلماذا يتعامل المتسلف مع من ساعده بهذه الطرق الملتوية ولم يعلم أنه كلما كان شعور الإنسان بأنواع الجزاء المختلفة الناجمة عن العمل الأخلاقي أو المترتبة عليه أقوى، كان ذلك أكثر دفعا له على القيام بأعمال أخلاقية مثمرة.
إن هؤلاء - وبكل أسف - تخونهم إراداتهم على فعل الخير ومعاملة المحسن بالإحسان، إننا لا نريد أن يكون كل جهد يبذل يصطدم بجهل ضعفاء النفوس، وأن يستمر سبيل المعروف دون انقطاع فلابد من الانصاف ولا بد من معرفة الإنسان ما له وما عليه.. إنها رسالة صادقة نوجهها لكل متسلف أن يتقي الله وأن يكون لبنة صالحة ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها فمتى يكون التجاوب؟ ولنعلم جميعا أن أموال الناس يحرم أكلها بالباطل.