بتنسيق مع حكومة المملكة تتحرك دولة مصر الشقيقة على كافة الجبهات السياسية والدبلوماسية لإنهاء حالة الخلاف والاحتقان الفلسطيني - الفلسطيني في جولات حوار متواصلة وصلت حتى الآن إلى خمس جولات بين كل من حركة فتح وحركة حماس. بيد أن ما يحدث في الوقت الراهن من تطورات سياسية فلسطينية سلبية بدأت تظهر بين الحركتين في شكل خلاف تكتيكي حول مرجعية السلطة وممارستها ساهم حتى الآن في عدم التوصل إلى حل فلسطيني نهائي يضع حداً للضعف الفلسطيني وينهي الخلاف ويبدأ صفحة سياسية فلسطينية جديدة بمقدورها مواجهة التعنت والتصلب الإسرائيلي.
لذا فإن الخلاف من هذا النوع وعلى هذا المستوى لا يمكن تفسيره في إطار ما هو مطلوب بإلحاح من القيادات الفلسطينية في هذا الوقت الحرج بالذات من حتمية التكاتف وضرورة التعاون الوثيق لمواجهة التحديات الإسرائيلية الخطيرة والمستجدات الإقليمية الطارئة التي تعصف بالقضية الفلسطينية.
محور الخلاف بين فتح وحماس (وبالطبع الخلافات الدائرة فيما بين من حولهما من حلقات ودوائر قيادية فلسطينية) يكمن في كيفية التعامل والتفاعل مع الجانب السياسي والأمني من معضلة القضية الفلسطينية سواء من حيث متطلبات جانب الأمن الفلسطيني الداخلي، أو في مقابل الخلافات الفلسطينية المتعلقة بتصفية الحسابات البينية، وكذلك مسائل ومشاكل الصراع الفلسطيني - الفلسطيني على السلطة وممارستها. ويرتبط بهذا الجانب الفلسطيني ما يتعلق بمتطلبات المساهمة الفلسطينية الأمنية في الحفاظ على الأمن الإسرائيلي من خلال ضبط إيقاع (بهدف وقفها تماماً) عمليات المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي.
فما حققه وأنجزه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (وما تلاه من محادثات سلام مع إسرائيل) بعد أن انطلق في مسار السلام مع إسرائيل وحقق منجزات سلمية ملموسة خصوصاً في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون توقف قطاره تماماً في المحطة التي أجبر على الوقوف فيها تحديداً بعد قمة بيروت العربية، وبعد أن تفجرت بقوة عمليات العنف والعنف المضاد التي أجهضت مسار السلام، وأخيراً ساهمت في دفنها بعد فشل قمة كامب ديفيد الثانية التي من بعدها توقفت محادثات السلام تماماً بعد فوز الرئيس السابق جورج بوش بمقعد الرئاسة وبداية التحول الاستراتيجي السياسي الأمريكي من خط الوسط إلى أقصى اليمين السياسي المتشدد.
ولا شك أن عمليات العنف السياسي التي اندلعت بين الطرفين الفلسطيني - الفلسطيني من جهة، والطرف الفلسطيني الإسرائيلي من الجهة الأخرى، ساهمت في تنامي ردود الأفعال الإسرائيلية العسكرية والأمنية بأوامر من رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون مروراً بإيهود أولمرت، وحتى بنيامين نتنياهو حالياً، ولعبت دورها في إضعاف الجانب الفلسطيني وتقوية الجانب الإسرائيلي على حساب ذلك الضعف.
تلك التطورات ساهمت في بداياتها بسطوع نجم رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس الذي حظي بدعم سياسي دولي وبمباركة أمريكية وموافقة إسرائيلية حيث تم نقل الملف الأمني وممارسة السلطة السياسية إليه بصورة رسمية وربما شرعية.. وهو الأمر الذي لا يمكن أن يعد من التطورات التي تصب في صالحه بعد أن حدث الانقلاب الحماسي المعروف على سلطته السياسية في عام 2006م.
وعلى ما يبدو حتى الآن من الصراع على السلطة وعلى ممارستها في الجانب الفلسطيني أن معظم إن لم يكن جميع الأطراف الفلسطينية المسؤولة عن القضية الفلسطينية لم تتعلم الدرس بعد من التاريخ الفلسطيني القديم والحديث، ولم تتعظ بعبر التاريخ ودروسه فيما يتعلق بالفرقة والخلاف وتأثيرها على القضايا الوطنية المصيرية.
وإلى أن تدرك القيادات الفلسطينية بأن السلطة تكليف لا تشريف، وأن مسؤولياتها وواجباتها مرهقة وتفوق ما تقدمه من مميزات، وأن نصرة القضية الفلسطينية ورفعة شأن الشعب الفلسطيني تتطلب التعاون والتكاتف والتنازل بل والتضحية، وأن واجب إزاحة الضيم عن الشعب الفلسطيني تفوق أي سلطة وتتغلب عليها.. عندها ستتحرك القضية الفلسطينية من موقعها الذي اعتقلت فيه بفعل أخطاء الذات وجنوح الشهوات ونصرة الأعداء على الأصدقاء وقوة الأعداء ومنعتهم. نعم عندما تعود القيادات الفلسطينية السياسية إلى رشدها وتقدم مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته التاريخية على مصالحها الخاصة، وسيحصل الشعب الفلسطيني على حريته وحقوقه كاملة، ويملك قراره السيادي بتقرير مصيره.
www.almantiq.org