أريد أن تكون مدينة الرياض مشروعاً للحلم والدهشة، أريدها أن تكون ساحرة مثل نسمة تلامس خدي طفلة صغيرة جميلة ضاحكة، أريدها متميزة بتفرد عن غيرها من بقية مدن العالم، بقدرتها على الوثب والركض، أريدها عروسا حسناء، نجلاء ذات..

..قوام وهيبة، يهيم فيها عشاقها حب وقصيدة، أريدها عروسا فاتنة ساحرة تأخذنا إلى حضنها الدافئ لتكسر فينا متاهات الجليد وحده الحياه ولهيب السموم، أريدها مدينة كالاسطورة تأخذنا إلى الحلم الكبير وتزرع فينا الدهشة العظيمة، أريدها ان تكون قبلة للوافدين والزوار والمتعطشين للراحة والاستجمام، أريدها أن تكون مدينة للدعة نتمطى على خطوط عرضها وطولها دون خوف ولا وجل مروري، وبحركة منظمة وانسيابية تامة، أريدها أن تكون بهية، حلوة، شهية، مزدانة بضوء الشموع، وباذخة بالحلم والمخيلة، مشكاة للنور وسراج للباحثين في الدروب المعتمة، ومتوشحة بإبداعات الفنانين التشكيليين، أريدها مدينة ملء السمع والبصر، نشربها سلسبيلاً صرفاً، أريدها أن تكون أميرة المدائن، أريدها أن تكون طوق حمامة وباباً مفتوحاً وحلماً وأمنية، أريدها ان تكون سيدة المدائن ولا سيدة بعدها، أريدها ان تكون للشعراء عشقاً سرمدياً، وللباحثين كنزاً اثرياً نادراً، وللرواة قصة أزلية لا تفارق الذاكرة، إنني لا أريد للرياض ان تكون مدينة رخوة، ولا أريد لوجهها أن يكون مجعداً، ولا أريد لامتددات جسدها الأربعة أن تكون مراكزا للحفر والنبش والعمليات القيصرية، ولا أريدها أن تكون تعباً وسكيناً في خواصر ساكنيها، ولا أريدها أن تكون مدورة مثل الكرة تركلها أرجل المقاولون وشركات الحفر والصيانة بشكل مفزع فلا إصلاح جاء في وقته ولا صيانة نزلت ولا نهاية للعبث المستمر، لقد جرحت كثيراً هذه المدينة مثنى وثلاث ورباع، فقد قسا عليها زمن المقاولين والشركات فوق الباطن وتحت الباطن حتى أصبحت مدينة للحفر والردم بتميز، وكأنها مدينة كتب عليها أن تكون أرضية لهؤلاء، فكم مر على بابها من مقاولين مستهترين وكم استباح شوارعها مقاولين لا يعملون بفقه العمل، وكم مرة هاجوا عليها ودمروها وحاصروها بالحفر تلو الحفر وتركوها عارية إلا من بقايا تراب لا يستر، حتى أصبحت شوارعها الرئيسية والفرعية رعبا يوميا لا يمكن الفكاك منه، لأن أعين الرقيب ربما قد نامت عن تلك الشركات وهؤلاء المقاولون وتركوهم يزرعون في أرض الرياض الندوبات الكبيرة والجراحات النازفة، إنني لا أعرف: لماذا يمارس هؤلاء عليها هذا الفعل؟ ولماذا يحاولون أن يجعلوا منها مدينة تشبه القصيدة غير المكتملة؟ أو عروساً دميمة؟، ولماذا يحاولون أن يجعلوها فردوساً مفقوداً؟ ولماذا يحاولون أن ياتوا إليها بالحمى ويجلبون لها الكوابيس؟ لماذا نسمع وقع خطاهم على صدرها بخطى مبعثرة تحاول كتم انفاسها ليجعلوها تائهة بقلب كسير كعصفور سلب منه عشه؟ لماذ أحس بأن هذه الشركات وهؤلاء المقاولون وكأنهم قد تمردوا بقوة وجانبوا جادة الصواب واتفاقيات العمل عن سابق عمد وقصد؟ الرياض هذه الساكنة في القلب وفي الذاكرة والتي لشوارعها وساحاتها وحاراتها وجسورها ومنائر مساجدها وكل تفاصيلها طعم غير، يجب ألا يكون لها منافس في مكانتها وعلو شأنها سحراً وتوهجاً، ويجب ان تنهض بها كل الاطراف المعنية لتكون كطائر الفينيق تنفض الرماد من على كتفيها لتشمخ بعنفوانها بين مدن المعمورة وأن نوقف هذا الغزو الشامل المنظم على شوارعها وأزقتها وساحاتها لنعيد لها عافيتها من جديد، لتكون أزهى مدينة واكثر بريقاً واشراقاً بعلامات واضحة ومميزة وهذا لا يأتي بمجرد حلم وتمني، لكنه يأتي عندما ننزع العمامة جانباً ونلبس طاقية العمل بجد ونتخصر بحزام الاخلاص والوطنية منا جميعاً لوطن أشم يريد منا أن ننشد له بحب كبير أغنية الوفاء والانتماء في كل صباح جديد يولد بعد إشراقة شمس جديدة.