لا شك أن لفراق العلماء رنة حزن، وبخاصة من الخلطاء الذين يلمسون أثرهم ويشهدون فضلهم ويتضلعون من علمهم، ويتأثرون بسيرهم العطرة والعلماء ورثة الأنبياء وأطناب الأرض ومنارات الهدى ورحيلهم يترك فراغات قد لا تُسد في الوقت المناسب، وفقد العلامة ابن جبرين رحمه الله بما هو عليه من علم شرعي غزير وحضور فاعل وبذل سخي للجهد والوقت واحتضان لطلبة العلم وسعي إلى الناس في أنديتهم وأماكن تجمعهم وحَمْلٍ لهمِّ الأمة وشعور حاد بالمسؤولية لا شك أنه مؤلم، ومهما جزعنا وتألمنا فإننا لا نقول إلا ما يرضي الله {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} أملاً في الظفر بصلوات الله ورحمته وهدايته.
لقد كان رحمه الله مثال العالم الورع في تواضعه الجم وتواصله القوي وحضوره الفاعل في كافة المحافل، وإذ لم أكن من طلابه ولا من خلطائه إلا أنني أتابع نشاطه وأستمع إلى فتاواه وألقاه كلما قدم إلى المنطقة وفي كل لقاء يزداد إكباري له واحترامي لشعوره الجاد بأوضاع الأمة، ولقد لمست من خلال أحاديثه تضلعه بالمذهب الحنبلي وارتباطه الوثيق بالنص التشريعي، واستيعابه لفقه الأحكام وحرصه التام على توصيل المعلومات صافية نقية، وفوق هذا كله فهو رحمه الله يمتلك لغة الفقهاء فلم يكن متزيداً ولا فضولياً، وحياته كلها عمل متواصل، وهو خير من استثمر الوقت ووظفه لخدمة الإسلام والمسلمين ومن ثم أصبح من كبار المجاهدين بالكلمة تعليماً وإرشاداً.
وغيرته وإحساسه الديني مكَّن له من قلوب العامة حتى أصبح علماً من الأعلام، وما انتابه من مرض امتد معه لسنوات مكَّن له في القلوب، وكان الناس يتابعون حالته الصحية والدولة وفقها الله بذلت جهدها في سبيل تهيئة كافة الأجواء المناسبة لفضيلته ولكن قضاء الله نافذ ولا راد له.
نسأل الله له المغفرة ولذويه الصبر والسلوان وللمسلمين العوض، والذي نحمد الله عليه أن الأمة الإسلامية أمة ولود فإذا طُلَّ عالم قام عالم آخر يتلقى الراية باليمين ليواصل المسيرة وإذا ذهب فقد ترك علماً ينتفع به، ولن ينقطع عمله إذ هو أحد الثلاثة الذين أخبر الرسول أن عملهم لا ينقطع بموتهم، وكل الذي نتمناه أن يكون رحيله إلى الدار الآخرة عبرة لنا ولكل عالم مُسَوِّف أو مقصر فالحياة قنطرة وما كتب الخلود لأحد من الناس {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَر مِّن قَبْلكَ الْخُلْدَ أَفَإن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالدُونَ}.
ومن حزن على فراق حبيب فليذكر مصابه برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أذهل عمر بن الخطاب، ولم يع بعد الصدمة إلا من تلاوة أبي بكر لقوله تعالى وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ من قَبْله الرُّسُلُ