كم هو صعب على القلم أن يكتب عن شخصية مثل شخصية شيخنا العلامة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبد الرحمن بن جبرين -رحمه الله-، ولكنني أجدني مضطرا لذلك؛ فألم الفراق وتذكر مثل هذه القامة العلمية الكبيرة محفز كبير لأصحاب النفوس الضعيفة والهمم الدانية من أمثالي للتشبه بمثل هؤلاء الكبار.
|
وقد كان لي الشرف بالحج عام 1410هـ، وقد رافقنا سماحته -رحمه الله- وجمع من أبنائه وأهله وفقهم الله، ولقد شدني جداً مواقف عجيبة من الشيخ -رحمه الله- في تلك الأيام القليلة، وكم كنت أتعجب كثيراً من تلك المواقف التي تدل على جلده في العبادة والطاعة، مع كبر سنه - رحمه الله، لكن لا عجب فالعالم الرباني من أمثال سماحة الشيخ رحمه الله - نحسبه كذلك- قدوته وأسوته نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي قام من الليل حتى تفطرت قدماه ثم يقول أفلا أكون عبداً شكوراً.
|
وسأكتفي بثلاثة مواقف للشيخ -رحمه الله- تدل على ما ذكرت:-
|
أولاً: كان -رحمه الله- إمامنا في جميع الصلوات المفروضة، وكان يصلي بنا بخشوع وطمأنينة، صلاة ليس بالطويلة التي تؤثر على الكبير أو المريض ولا القصيرة التي تخل بالصلاة وسكينتها، وكان يحرص -رحمه الله- أن يوجه المصلين بكلمة توجيهية تحمل في طياتها غالباً ما يجب على المسلم والمسلمة في أعمال الحج القادمة، يعلمنا ذلك بعد كل فرض، فلا يمل حديثه، حتى بات يصلي معنا من ليس معنا في هذه الحملة، وكان -رحمه الله- يجيب عن أسئلة المستفتين بعد ذلك دون تضجر من كثرتها أو إهمال لشيء منها، كل ذلك بأسلوب علمي بديع يدل على غزارة علمه وفقهه - رحمه الله. وبهذا استفدنا منه في هذه الأيام القليلة علماً كثيراً وفوائد جمة.
|
ثانيا: وهذا الموقف كان يوم عرفة حيث نزل -رحمه الله- من الحافلة ونزلنا معه بعد أن وصلنا إلى عرفات فكان أول ما أمرنا به أن نستعد للصلاة فصلينا الظهر والعصر، ثم أوصى القائمين على الحملة بسرعة وضع طعام الغداء لنتفرغ للعبادة والدعاء، وقد اجتمعنا معه - رحمه الله- في مكان واحد قبل الغداء، فوالله إن أكثر الناس كانوا يتحدثون فيما بينهم ويتسامرون استعداداً للطعام، وكان رحمه الله تتحرك شفتاه بذكر الله، انشغل بذلك عن الحديث مع الناس.
|
ثالثا: وهو أيضاً موقف حدث في عرفات فقد رأيته -رحمه الله- قام بعد الغداء واستقبل القبلة يدعو وكان الحر شديداً حتى أننا كنا نرفع أيدينا بالدعاء فيرهقنا الحر فنرتاح لفترة، وكنت أنظر إليه، فوالله، لقد كان رحمه الله على حاله التي بدأ فيها بالدعاء رافعاً يده حتى تحركنا لمزدلفة، فتعجبت كثيراً من رجل بمثل سن الشيخ وعمره: كيف يصبر على مثل هذه العبادة مع وجود المشقة الظاهرة والحر الشديد؟! واستصغرت نفسي: ولكن:
|
إذا كانت النفوس كباراً |
تعبت في مرادها الأجسام |
فرحم الله شيخنا -رحمه الله- رحمة واسعة، وجعله من ورثة الفردوس الأعلى، وأحسن الله عزاء الجميع في فقد سماحة الشيخ - رحمه الله.
|
|