إنه يتأهب للمغادرة..

ها هو يمضي -

استجمع كل قواه كي يقاوم المغادرة..

لكنه في النهاية

ترك كل شيء وغادر!

** تكبر قائمة المهاجرين

في قلبك..

ترتصف بالأسماء تباعاً

يهاجرون..

يتركون خريطة الأرض وحدودها وتضاريسها

يجعلون البحار والأنهار والمحيطات خلفهم ويمضون يتركون الجبال وسفوح الأودية وتلال الرمال واتساع الصحاري.. يتركون الشجر والزهر والسمك والصدف ويمضون، يتركون الأرض بما رحبت ووسعت ويتصعدون نحو الدار الأخرى، الدنيا الثانية..

** كنت أظن أن البشر الذين يملكون قلباً يضحك بصدق ويغضب بصدق، لا يتلونون، لا يخدعون، لا تميلهم كفة الميزان معها حين تميل، يقولون ما يروق لهم لا ما يروق لموج البحر حولهم.

** كنت أظن أن أولئك لا يغادرون..

يبقيهم الله بأمره ليطمئن الناس بأن الدنيا ما زالت تفيض بالخير.

كنت أظن أن هؤلاء لا يغادرون..

يبقون ليتعلم الناس كيف يكونون أبناء لحظتهم في فرحهم وإقبالهم على من يلقاهم والحياة حولهم، لا يجيدون فتح الملفات الماضية ولا تستهويتهم لغة العتب والتأنيب، يكفيهم أن تصافحهم ليعطوك كل أنفسهم ورحابتها وتهليلها بك وحدك وكأنك جئتهم ليلة البارحة وقد فارقتهم زمناً طويلاً.

** كنت أظن أن مثل هؤلاء لا يغادرون..

يبقون كي تمتد بهم وشائج الحب وتدق أوتادها متجذرة في أرض لا تميد..

كنت أظن مثل أولئك لا يغادرون حتى غادر عمي الشيخ زيد، حتى بكى والدي شقيقه بدمع عصي، حزين مليء بلوعة الفقد والفراق.. رحم الله المغادر وألهم الصبر والسلوان الباقين..

** الحزن.. لغة صمت تهذبنا من الداخل، تمد باتجاهنا عصا سحرية قادرة على أن تجعلنا نتجاوز كل شيء ونجدُّ في زرع شتلات حب جديدة في تربة قلوبنا كلما ذبل بعضها..