كانت النبرة العالية والعبارات المنمَّقة (الرنَّانة) هما ما يسود الموقف.. فلم تتركا مجالاً لأي كان أن يَدَّعيَ ما يخالف بريقهما (الخادع)؛ فأحكمتا سيطرتهما على لُبِّهِ (الهَش) فكان ينطقهما باعتزاز وكبرياء شديدين، محاطتان بأسلاك شائكة مدعمة بفيتامين (yes..no)..
.. الذي لن يألو جهداً في تحسين أو تضخيم مخرجاته (الأنقلوعربية) الهزيلة، فكانت الشَّعرة التي قصمت عُنقَ عروبتنا وجرحت كرامتنا المجيدة.
كان الذهول والاستغراق «الطويل) هما المسيطران على حال موظف الصندوق الذي أربكه الموقف، فلم يجد رداً لسؤال ذلك (المتفيقه) عندما حان دوره واستفسر منه قائلاً: ( Is there a cashmachine here.? ) ما هي إلا لحظات حتى استدرك صاحب الأخلاق (الأمريكية) لنفسه ليقول -بملء فيه- (سوري)؟!، ووجد صاحبكم -الذي كان يقف خلفه مباشرةً- نفسه مضطراً لترجمة هذه العبارات، وتلك الجمل الركيكة لحارس الصندوق، فالسائل كان يبحث عن جهاز للصرف الآلي، والواضح بأن هذا المكان لا يحتوي على مثل هذا النوع من الآلات؛ ونحن في إحدى وكالات السيارات وكل واحد مِنَّا يريد أن يدفع ثمن صيانة سيارته، والموظف الذي يطل من شباك الصندوق سعودي، فَمَا داعي هذه الحركات الاستعراضية (البهلوانية) التي تثير الاشمئزاز، فنحن أبناء عاصمة عربية إسلامية تمثل رأس هذين الكيانين المتصلين، بالإضافة إلى أن جُلَّ الموجودين هم سعوديون؟!؛ وما يثير الضحك أن هذا الشخص لم يكن يتحدث الإنجليزية بطلاقة فهو -إن صح التعبير- من أنصاف متعلميها، ولكنه للأسف وجدها مناسبة كي يستعرض قدراته الخارقة (اللابشرية) في هذا المجال (الحيوي).
مشكلتنا تكمن في الطريقة التي نتعامل بها مع معطيات الحضارة الغربية، فنستخدمها بالشكل الذي يضرنا ولا ينفعنا؛ مع أنَّ تعلُّم اللغة الإنجليزية قد يصل في بعض الأحيان إلى الضرورة إذا كان الشخص مسؤولاً في جهة تقنية أو طبيباً يحتاج إلى القراءة المتواصلة كي يطلع على الجديد في علوم الطب والعقاقير، وقد يلجأ إليها أيضاً من تُجبِره الظروف على السفر باستمرار ولن يجد بُدّاً من تعلم أبجدياتها، علماً بأني سبق وأن سافرت لتعلمها، أسوق هذه الأمثلة لأدرأ عن نفسي تهمة التعصُّب للعربية بصفتي أحد المتخصصين في علومها بالدراسات العليا والمعنيين بالبحث في قضاياها، وحالنا اليوم مع الإنجليزية يحكي واقعاً مُرّاً؛ فكثير من التقنيات الحديثة نُحوّلها إلى نِقَم ومشاكل تحتاج إلى حلول مطولة، وبالتالي، يتم منع تداولها بين الناس حتى يستوعبوا المعنى المثالي لمكنوناتها.
نحن العرب، خصوصاً السعوديين معنيون بتثقيف أنفسنا كرهاً قبل الإقدام على استقدام أي ثقافة فكرية أو علمية متداولة من أي قطر كان لأنها ومع مرور الزمن ستتحول إلى جزء من ثقافة مجتمعنا، وستكون هذه الثقافة طرفاً في أي تحول اجتماعي كان، وهي مناسبة لنكرر على أنفسنا السؤال: لماذا نصرّ على مسخ ذواتنا في أرضنا وبين أهلينا؟!.