في كل ندوة أو ملتقى ينظمه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني أجد أن الكثيرين من المشاركين في تلك الندوة أو ذاك الملتقى يعلقون على المركز أمورا جساماً أشبه ما تكون بالأحلام: نشر ثقافة الحوار بالمجتمع السعودي..
.. ، وبعضهم طلب من المركز تدريس مادة الحوار في مدارسنا التي تحول بعضها بسبب التناول الإعلامي إلى ساحات معارك مؤلمة بين المعلِّم و(الطالب)، بل إن بعضهم رفع صوته منادياً بتكريس (الحوار) إعلامياً إلى غير ذلك من (تضاريس) خارطة الحلم الجميل، والذي يحلم به كل غيور يحضر لقاءات هذا المركز الرائد، لكنني أعتقد ان تلك المطالب والأمنيات الجسام التي هي - في الحقيقة - من (اختصاص) عدد من الوزارات والهيئات الحكومية قبل أن تكون من (نافلة) المركز لذا أتمنى أن يرفق الكثيرون من هؤلاء بالمركز وألا يثقلوا عليه بهذه (الأحلام) ويمنحوه فرصته التاريخية التي وجد من أجلها وهي - في نظري - اطلاق بيئة صالحة للحوار (بإعادة هيكلة البنية التحتية للعقل) من خلال مبادراته الكثيرة، ليضع بذلك حجر الأساس لمشروع (ثقافة الحوار) في مجتمعنا ومن ثم - في نظري - تأتي المطالبة له بأن يرسل (إشارات) إلى كل وزارة معنية بإكمال ما يلزم تجاه صناعة الحوار في بلادنا.
إن المشوار أمام مركز الملك عبدا لعزيز للحوار الوطني مازال طويلا في سبيل بث روح الحياة (المدنية) في مجتمعنا السعودي، الذي مر بفترات طويلة غيب فيها (الحوار) بين شرائحه المختلفة، لذا علينا مواطنين ومقيمين أن نتعاون مع المركز بجد في صناعة بيئة صالحة للحوار الوطني بين مختلف أطياف المجتمع،، لعلّنا ننجح جميعاً في (دفن) بذور (الخلاف) وغرس فسائل (الحوار) في تربتنا الوطنية ثم نسقيها بماء التسامح والتصافح الحقيقي الصادق، من خلال المشاركة الفاعلة في برامج المركز التي تدعو إلى ممارسات فاعلة للحوار على كافة المستويات.
وما تنظيم ملتقى المدربين المعتمدين لنشر ثقافة الحوار الذي رعاه مؤخرا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في عاصمة الحوار وتقبل الرأي الآخر (الرياض) إلا خطوة رائدة من المركز جاءت في وقتها ليعلن تحديه الصريح لثقافة الإقصاء من بعضهم تجاه من يختلفون معه داخل مجتمعهم، بل إنني أرى في هذه الخطوة المفصلية بداية البداية لتأسيس بيئة للحوار الوطني البناء من أجل وطن آمن على مختلف المستويات والمؤسسات ويكفيكم النظر إلى طبيعة وظائف واهتمامات المشاركين والمشاركات في ذاك اللقاء، لتعرفوا أن (المدرب المعتمد) لنشر ثقافة الحوار هو خارطة الطريق إلى وطن المستقبل، حيث سيعمل أولئك المدربون والمدربات المعتمدون على تحويل (الحوار) إلى مهارة حياتية في حياة العديد من شرائح المجتمع من خلال فنون (التدريب) المختلفة.
أخيرا..
لقد حان الوقت لتأسيس إدارة عامة للحوار في وزارة التربية والتعليم تعنى بإطلاق برامج ومشاريع عصرية لتربية أبنائنا وبناتنا على اكتساب مهارات الحوار وقبلهم المعلمون والمعلمات في مختلف مراحل التعليم العام، والتخلق بآدابه وممارسة أساليبه الحضارية، مما يفتح للطلاب والطالبات آفاقا جديدة للتعامل مع ذواتهم ونبذ الفرقة والأهواء الشخصية وتغليب المصلحة العليا للوطن في مختلف نقاشاتهم وحواراتهم داخل المدرسة وخارجها، بما يعزز الثوابت الدينية والوطنية، ويقضي على كثير من مظاهر (الاحتقان) في أوساط الطلاب والطالبات والتي نتج عنها العديد من مشكلات العنف المدرسي، وقبله العنف الأسري الذي ظهرت الكثير والكثير من أشكاله وأنماطه في الآونة الأخيرة، ومن ثم آمل من تلك الإدارة أن تعمل على بث ثقافة الحوار بين العاملين في وزارة التربية والتعليم على مختلف أطيافهم، لتصبح الوزارة - بحق - بيئة حقيقية لتمثل الحوار مع كل معلم أوولي أمر أو مراجع يدخل مكاتبها في أي وقت وذلك بتبني خطة طويلة الأجل لتنفيذ مختلف البرامج التدريبية والتوعوية المتاحة ليسعد الوطن ببناء جيل يمارس مهارة الحوار ويحترم الرأي الآخر، ويتقبله، بل ويتعايش مع من يختلف معه بشكل حضاري يؤسس في المستقبل لنشر ثقافة الحوار والتسامح ومنهج الوسطية والاعتدال في مجتمعنا.