كثيرا ما تعرض المعلمون - في الآونة الأخيرة - للاعتداء من قبل الطلاب، أو من قبل أولياء الأمور، وتحولت بعض المدارس السعودية إلى حلبة مصارعة، بل أصبح المعلم يتعرض للضرب وهو في مقر عمله. يؤكد ذلك ما نشرته بعض الصحف المحلية - قبل أيام -،
من تعرض معلم في إحدى المدارس التابعة لمحافظة العلا - شمال مدائن صالح -، إلى ضرب مبرح وقع على إثره جريحا بإصابات بليغة، نقل على إثرها إلى المستشفى على يد مجموعة من طلاب مدرسته، كما تعرض معلم آخر إلى حادثة اعتداء بالضرب من قبل أشخاص مجهولين أثناء خروجه من مدرسة ثانوية في حي المزروعية في مدينة الدمام، أصيب على إثرها بجروح وكدمات في منطقة الرأس، وتلقى العلاج في مجمع الدمام الطبي.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد حوادث الاعتداء على المعلمين بدأت تتفاقم في الفترة الأخيرة، وهي في تزايد في مختلف مدن المملكة فلا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن قضية اعتداء. وحسب آخر إحصائية تم نشرها في وسائل الإعلام في العام الدراسي 1426 - 1427 هـ، فقد بلغت تلك الحالات (34) حالة اعتداء، تنوعت بين إدخال كمية من الرمل داخل محركات سيارات المعلمين، وقطع أسلاك المحرك، واستخدام مواد كيميائية لحرق سيارات المعلمين، إضافة إلى تكسير زجاج سياراتهم. وهذه فقط الحالات المعلنة، وهي تعتبر قليلة أمام الحالات غير المعلنة.
أذكر جيدا أن - عميد الأدب العربي - طه حسين، رسم في كتابه: (مستقبل الثقافة في مصر)، الصورة المثالية والمطلوبة للمعلم أن يكون عليها من أجل إصلاح التعليم، حين قال: (يجب أن نطالب بالكرامة والطمأنينة للذين نأمنهم على إذاعة العلم والمعرفة في أبناء الشعب، حينئذ نستطيع أن نطالب المعلم بأن يخلص في مهنته، وينصح تلاميذه، ويحتمل في سبيل ذلك المشقة والجهد والعناء، وحينئذ نقترب من الإيمان بمهمة التعليم. ولعل ذلك يقربنا من إصلاح التعليم شيئا فشيئا، ويقربنا من تحقيق الغاية من التعليم).
أعتقد أن المسؤولية مشتركة بين الوزارة والأسرة والإعلام لدراسة هذه الظاهرة، ومعرفة أسباب العنف ضد المدرسين مما يستوجب النظر في هذه الظاهرة، وإيجاد حلول مناسبة من أجل العمل على حماية المعلمين وحفظ حقوقهم. فدور الإعلام يتمثل في ترسيخ الوعي بين أفراد المجتمع، وتعزيز الاحترام المتبادل بين أطراف العملية التربوية، فالعلاقة بينهما علاقة تكامل لا تناحر، وتراحم لا تراجم. كما أن الأسرة مسؤولة عن تقويم سلوك أبنائهم ومتابعتهم، فكثير من الآباء - وللأسف - يغرس في أبنائه مبادئ التخلف والعنف والهمجية تحت اسم بوابة الرجولة والفتوة والقوة، فما يحدث هو انحراف عن مسار التربية والسلوك القويم الذي يفتقد بعض الطلاب ركائزه الأساسية.
أما دور الوزارة فقد عزا مراقبون تنامي ظاهرة الاعتداء على المعلم إلى قرار الوزارة بالنهي عن استخدام وسيلة الضرب كعقاب. فعندما يضرب الطالب فإن الوزارة تتخذ منهجا سريعا لاتهام المعلم، وتصدر القرارات السريعة ضده، ويبدي المسؤول أسفه، وتتعهد الوزارة بفتح تحقيق حول الحادث لمعرفة مصدر الحالة ومدى صحتها لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها. وفي المقابل عندما يحدث العكس، تكون هناك حلول تربوية.
لقد حان الوقت من أجل البحث عن هيبة المعلم التي ضاعت عن طريق إعادة النظر في لائحة السلوك، وتفعيل القرارات والتشريعات التي سنتها الوزارة، ومن ذلك: تفعيل لائحة العقاب بعد انعدامه بالكلية، من أجل أن نحفظ حياة المعلم قبل أن نحفظ هيبته. فهو أمر في غاية الأهمية. وسيبقى موضوعنا محفوظا، لم لا وقد أصبحت تلك الوقائع تمثل على ما يبدو ثقافة مجتمع. راجين من وزارتنا الموقرة ألا تخيب ظن معلميها الذين يؤدون رسالة عظيمة، فهم بانتظار وجود آلية تعالج تلك المشكلة وتقضي عليها، لأننا مازلنا نحس نحوهم بذات المشاعر الفياضة من التقدير والتبجيل بقدراتهم.
drsasq@gmail.com