تكلمنا في المقال السابق عن ماهية النجاح، وأنه عادة ما يخرج من رحم المعاناة وأن معظم الناجحين كما تدل الشواهد على ذلك هم من سلكوا طرقاً ودروباً فيها الكثير من المصاعب والعوائق, كما أننا عرجنا على أسس النجاح وبعض مفاتيحه الموصلة إليه. وسوف نتناول بالحديث هنا بعض الشواهد والحالات المعاشة لتجارب الناجحين والمبدعين، كما أننا سنتناول أيضاً بعض الأقوال والمنطلقات التي بنيت وأسست على التجارب والخبرات والمحطات العملية والعلمية لأولئك الناجحين. يقول العالم ماردون إن على (المرء أن لا يشتم منافساً له, ففي ذلك اعتراف بأن نجاحه يسبب لك الضرر), وأقول هنا أن الثقة في النفس هي المفتاح السحري لجميع النجاحات، فالثقة بالنفس بعد الثقة بالله هي المحرك الأوحد لبناء النجاحات وصنعها والمضي قدماً لتحقيقها وكسبها والظفر بها, يقول هاير سميث أحد الخبراء في تنظيم الوقت والبحث عن العمل (إن اعتدادنا بأنفسنا يجب أن ينبع من داخلنا, وأن لا يقوم ذلك الاعتداد على وجهة نظر الآخرين أو مرتبطاً بشعورهم بذلك لأن ذلك سيؤدي إلى تناقص القيم التي تؤمن بها بعمق). وذكر العالم كين سيلتون أن هناك أربع خصائص للاعتماد على الذات في كتابه الرائع (النجاح الحقيقي في الحياة) أولها: الحسم، فالتردد هو أحد أهم الأسباب لسقوط الفاشلين. وثانيها: الثبات والمبدئية، فالثبات والتمتع بالمواقف الصلبة التي تنطلق من المبادئ التي يؤمن بها الفرد لتحقيق أهدافه ونجاحاته. وثالثها: الاستقلالية من خلال الاستقامة والنبل وعدم الاعتماد على الآخرين. ورابعها: الكرامة يقول الكاتب أنه لا يمكن للإنسان الشريف المتحلي بالكرامة أن يكون مستعبداً ومضطهداً. ومن الأمثلة المشاهدة على تجاوز المحن والثبات والصبر في وجه الاخفاقات والتعرجات السلبية هو المخترع لآلة الغزل (ريتشارد اركرابت) والذي أحدث اختراعه ثورة في صناعة النسيج من خلال تغيير المفاهيم وإدخال تقنيات حديثة جديدة ومن بعدها حوصر بدعاوى قضائية ضد اختراعه لخوف العاملين من فقدان فرص عملهم, ولم يستسلم هذا المكتشف العبقري بل أنه وخلال مدة وجيزة سيطر على جزء كبير من هذه الصناعة! ومن العجيب في معادلة الثقة بالنفس والتي تعززها وتؤكدها هي أن يقوم الإنسان بممارسة الخطبة وإلقاء الندوات والمحاضرات أمام الجمهور وأمام جمع من الناس، فإن هذا البعد من أهم العوامل المؤكدة لتحقيق الثقة والاعتداد بالنفس. ومما يذكره علماء الهندسة النفسية لتحقيق النجاح هو أن تحدد لنفسك هدفاً ومن ثم تتخيل هذه الصورة وهذا الهدف بشكل واضح وجلي ومن ثم تستدعي هذه الصورة الذهنية إلى عقلك قدر ما تستطيع ثم تعايشها معايشة إيجابية وتلامس حقيقة وقوعها بشكل منطقي وإيجابي ثم تقوم بتأكيد الطاقة الإيجابية في صورتك الذهنية بأن تستخدم التخيل الذي يؤكد على أن ما تتخيله يمكن أن يتحقق وبشكل مؤكد, وأخيراً يجب أن تحتفظ برؤيتك في ذهنك وأن تتخيل وتصنع لنفسك مكانة مرموقه في محيط وخارطة هذا العالم وبالتالي تتعايش مع تلك النظرة وتلك الرؤية, فمعظم الذين حققوا نجاحات وتقدماً في هذه الحياة هم أولئك الأشخاص الذين استطاعوا تخيل أنفسهم في تلك المكانة قبل تحقيقها. أطرد الخوف, وفكر بإيجابية, وتغلب على الاحباطات, وتوقع الأفضل دائماً, كل هذه خيوط موصلة للهدف النهائي في تحقيق الآمال والغايات, وقد استطاع رجل الأعمال (هووارد شولتز) والذي أطبقت سمعته الكرة الأرضية، فمن لا يعرفه فهو مؤسس سلسلة مقاهي (ستار بوكس) الشهيرة, وقد انطلقت تلك الشركة عام 1971م عندما بدأ ثلاثة باعة فقط ببيع الشاي الأخضر وأطلقوا على مخزنهم المتواضع (ستار بكس) ثم بعد ذلك قاموا بفتح ثلاثة منافذ لبيع البن لزبائن المفرق, وفي عام 1982م طلب المالكون من (هووار شولتز) أن يدير سلسلة منافذ بيع لصالح الشركة, وكان عمره حينئذ في التاسع والعشرين, وغادر (شولتز) إلى سياتل ومن ثم ذهب بزيارة تسوق إلى إيطاليا وبعدها تكونت الرؤيا له من خلال فتح منافذ بيع القهوة لما رآه في إيطاليا من ثقافة ذلك البلد وكيفية التقاء الأصدقاء بالمقاهي صباحاً ومساءً وقد كانت الرؤية النظرية والعملية فيما تتمركز على مقولته (لقد شاهدت العلاقة الثقافية التي تربط الإيطاليين بالقهوة ورومانسية هذا المشروب فالإيطالي يبدأ نهاره في المقهى ويقابل صديقة فيه, وخطر لي تصرفاً من هذا القبيل أن ينطلق في أمريكا, ولم يسبقنا إليه أحد وبوسعنا فعله). ومن ثم تعلق شولتز بالفكرة فأنشأ سلسلة مقاهي (ستار بكس) الشهيرة والتي أصبحت الرائدة في العالم أجمع في هذا المجال. وتوثيقاً لكل ما ذكر فقد روى لي أحد الثقات أن هناك مراسلاً في أحد كليات جامعاتنا يحمل شهادة الكفاءة المتوسطة وكان هذا الشخص يملك طموحاً متقداً وكان حديثه مستمراً مع أساتذة الجامعة والكلية حول كيف وصلوا إلى تلك المنزلة, وقد ذكر لي الراوي أن بعض الأساتذة كان يحفزه على الاستمرار ومواصلة دراسته وإكمال تعليمه, وعندما يتحد العقل والفكر نحو تحقيق الأهداف والغايات فالنتيجة المتوقعة هي ما تحصّل عليه صاحبنا فقد أكمل دراسته الثانوية ليلاً ثم واصل دراسته الجامعية بالانتساب، ثم أُبتعِث وبشكل عجيب إلى إكمال دراسة الماجستير والدكتوراه ليعود أستاذاً في الكلية التي كان بها مراسلاً وما زال. وهناك أكثر من شاهد يؤكد هذه النجاحات في بلدنا وفي البلاد العربية قاطبة، إنه الطموح عندما يؤسس على الإصرار والمثابرة والعمل.
كاتب سعودي
Kmkfax2197005@hotmail.com