بكين - (د. ب. أ) :
تستحوذ مشاعر من الخوف على غالبية الهنود بدلا من مشاعر الترقب والإثارة حيال الكسوف القادم للشمس.
وتدور معركة غير معلنة بين المنجمين ورجال الدين والعلماء في ظل بزوغ الهند كقوة علمية. وبينما يتحدث الكهنة الهندوس عن معتقدات أسطورية بأن الكسوف يشي بسوء الطالع والاضطراب فإن العلماء ينظمون ورش العمل ويبعثون بها إلى المناطق الريفية ومعها متخصصون في الكسوف لتبديد المخاوف التقليدية.
يبدأ الكسوف الذي سيكون الأطول حتى عام 2132 عند الساعة 20: 5 صباحا (2350 بتوقيت جرينتش) اليوم الثلاثاء عندما يلقي القمر بظله على الشمس بالقرب من الساحل الغربي للبلاد.
وسيغطي ظل القمر 13 ولاية من ولايات الهند البالغ عددها 29 ولاية من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في الغرب والوسط والشرق وشمال شرق الهند وعبر أجزاء من النيبال وبوتان وبنجلاديش وميانمار قبل أن يدخل الصين. ومن المقرر أن يستمر الكسوف 3 دقائق 30 وثانية حول باتنا عاصمة ولاية بيهار. وسيهرع أكثر من 20 ألف سائح من علماء الفلك والعلماء إلى تاريخنا وهي قرية صغيرة تقع بالقرب من باتان ويقال إن الكسوف في أوضح صوره في الهند سيكون فيها.
وربما لا يكون ثمة بلد يجمع بين المتناقضات مثل الإيمان الأعمى والعلم مثل الهند. فالحضارة الهندية القديمة التي تعتبر الشمس والقمر إلهين بنت مجتمعا شديد الخرافة.
وفي نفس الوقت صارت الهند بين قلة من الأمم ارتادت الفضاء وصارت تطلق الصواريخ والأقمار الصناعية بشكل روتيني. وسيطبق الصمت الرهيب بعد غد الأربعاء على غالبية المدن والقرى الهندية وستغلق المعابد أبوابها وسيبقى قسم كبير من السكان داخل البيوت لتحاشي الكسوف تطبيقا للخرافات. وبحسب أساطير هندوسية فإن الكسوف يمثل محاولة الشرير راهو ابتلاع الشمس بحسب افاديش كومار باندي رئيس الكهنة بمعبد لاكسميناريان الشعبي في دلهي. ويقول باندي (انه لوقت غير سعيد عندما يكون إله الشمس واقعا في متاعب. الأشعة المنبعثة من الشمس تكون غير نقية ومضرة لصحة الناس ومستقبلهم. الكسوف يشي باضطرابات وحروب ودمار لذا فإن 15 من الكهنة سيقومون بطقوس الياجنا (طقوس النار) بغية التصدي للتأثيرات الشريرة). ويمنع باندي الذي تشمل قائمة المؤمنين به رجال أعمال وربات بيوت الناس من النوم أو العمل ويدعوهم بدلا من ذلك إلى الصوم وترديد الأدعية خلال الكسوف. ومن المتوقع أن يعرض الملايين الماء على إله الشمس وأن يلقوا بأنفسهم في نهر الجانج المقدس في مدينة المعابد/ فاراناسي/ أو في البحيرات المقدسة في كوروكشترا للتصدى (للاثار الشريرة) للكسوف. ولا يقتصر انتشار مثل هذه الأفكار على المناطق الريفية. تقول سافيتا راي وهي ربة منزل من دلهي إن الطعام يفسد إذا لم يغط ويتعين تناوله فور تطهيره بإضافة فرع من نبات الريحان إليه.
وتضيف قائلة انه يتم توجيه النصح للحوامل بتحاشي الخروج أو القص والحياكة وإلا فأنهم سيرزقون بطفل أعمى أو مصاب بعيوب خلقية.
ويتنبأ كبار المنجمين في الهند مثل بيجان داروالا بأوقات عصيبة حتى شهر سبتمبر من آثار الكسوف. وربما تتعرض البورصات لاثار سلبية كما يتم توجيه النصح للزعماء السياسيين بأن يلتزموا الحذر لان حالات الاغتيال تحدث في مثل هذه الفترات. وغالبا ما يتداخل التنجيم والمعتقدات الدينية في الهند حيث تستشير العائلات بانتظام الكهنة الذين يخلع عليهم أيضا صفات المنجمين. وتسعى العائلات إلى طلب النصيحة منهم في المناسبات الهامة في الحياة مثل معرفة مدي ملائمة تواريخ ميلاد الراغبين في الزواج وتحديد الوقت المناسب للزواج. وفي نفس الوقت فإن الكسوف يوفر فرصة العمر للعلماء وهواة الفلك لمشاهدة مشهد الطبيعة المهيب. وتنظم المنظمات ذات الصلة بالعلم والفلك فعاليات وبعثات بعضها عبارة عن رحلات بالطيران العارض (الشارتر) لمشاهدة الكسوف. وتخيم فرق في المدن الواقعة وسط البلاد مثل اوجين لمشاهدة المشهد الجليل أمام معالم أثرية ومراكز مراقبة فلكية. وقد صمم العلماء على تسريع حربهم ضد الخرافات والبدائية. يقول إن راتناسري مدير مركز نهرو بلانتيريم في دلهي (إن الكسوف يوفر فرصة هامة لمحاربة الخرافات بإثارة الوعي لمحو المخاوف التي يروجها بعض الناس وبعض وسائل الإعلام الاليكترونية). ويضيف (الأمر الغريب هو انتشار الخرافات برغم الطفرة العلمية والفلكية التي تشهدها الهند. إنهم يرفضون حتى شغل مساحة من الفضاء لا ضرر منها). وعلى الرغم من ان الكسوف ظاهرة علمية وطيدة فإن الشبان يتعلقون على ما يبدو بمعتقدات روج لها آباؤهم. يقول الطالب اناند (ما كان ينبغي لنا ان ننخرج في هذا اليوم ولكن ما الحيلة ولدينا محاضرات. نأمل إلا يحدث شيء).
وبينما سيحدق الفلكيون وهواة الفلك في السماء أثناء الكسوف الكلي للشمس في شرق الصين غد الأربعاء فإن مجموعة واحدة على الأقل من الزوار والحراس ورواد حديقة الحيوان سينظرون عبر العتمة القصيرة إلى الحيوانات الأسيرة. وستقوم حديقة الحيوان في مدينة شانجزو وهي واحدة من أفضل الأماكن لرؤية الكسوف الكلي الفيلة والقرود وغيرها من الحيوانات التي يسهل السيطرة عليها لتسجيل رد فعل الحيوانات على التغييرات المزعجة في الضوء ودرجة الحرارة أثناء الكسوف. وسيكون مركز المراقبة في شانجزو واحدا من عشرات المراكز في الصين والتي ستتابع الكسوف الشمسي. ومن المتوقع ان يشاهد مئات الملايين من الأشخاص كسوف الشمس عبر الصين وفي الهند غالبيتهم في المدن الصينية الكبرى إلى جانب وادي نهر يانجست. وصرح لي ينج كبير الباحثين بأكاديمية المراقبة الصينية للعلوم الوطنية بقوله (يعيش نحو 300 مليون شخص إلى جوار الحزام الكلي للكسوف). وقال لي (مع الانتشار الحالي لوسائل الإعلام فإنه في حالة وجود طقس جيد مشمس فإننا سنشهد عدة ملايين من الأشخاص يشاهدون الحدث). وقد سجل علماء الفلك القدامى أول كسوف للشمس في الصين قبل 4 آلاف عام). وثمة أساطير مبكرة منها أن إمبراطورا أمر بإعدام اثنين من الفلكيين في القصر الإمبراطوري اتهما بالفشل في التنبؤ بحدوث كسوف. وثمة معنى حرفي ذات طبيعة صينية للكسوف الكلي هو (الالتهام(الأكل) الكامل) الذي يعكس اعتقادا بدائيا بأن تنينا قضم جزءا من الشمس أو القمر خلال حادث كسوف.
وكان ينظر إلى حوادث الكسوف بوصفها نذير شؤم حيث تعتقد الخرافات الصينية انه تعقبها كوارث طبيعية أو انهيار أسرة إمبراطورية. وقد استمرت هذه الخرافات في الصين الشيوعية ولاسيما تلك التي ربطت الزلازل أو غيرها من الكوارث الطبيعية بالتغييرات السياسية. بيد أن الأغلبية الواسعة من الصينيين الذين سيشاهدون كسوف هذا الأسبوع لا يتوقعون أكثر من تجربة تحدث في العمر مرة واحدة لما سيكون عليه أطول كسوف في هذا القرن. وحقيقة ان الكسوف سيكون شديد الوضوح في 42 مدينة كبرى في الصين على طول وادي نهر يانجتس أججت الاثارة في الصين. كما سيجذب الكسوف الجزئي سكان عدد كبير من المدن الأخرى منها بكين وهونج كونج التي سترى كسوفا بنسبة 73 75 وفي المئة على التوالي. وفي شينجدو الواقعة أقصى الغرب فإن الكسوف الكلي سيبدأ عند الساعة 12: 9 (0112 بتوقيت جرينتش) ويستغرق نحو 3 دقائق فقط. وسيقوم بعض السياح بتسلق جبال مت إيمي البوذية المقدسة التي يبلغ ارتفاعها 3 آلاف متر ولا تبعد كثيرا عن شينجدو لمشاهدة الكسوف. وسيذهب آخرون إلى مت بوتو وهي ربوة ترتفع فوق جزيرة صغيرة قبالة إقليم زيشيانج الساحلي جنوب شنغهاي. لكن خبراء الأرصاد يتوقعون سقوط أمطار وتكون سحب مما قد يفسد الاحتفال الذي سيقام في عديد من هذه الأماكن ومنها شنغهاي وهانجزو ومت إيمي. ويستمر الكسوف لمدة 5 دقائق على الأقل في المتوسط في غالبية المناطق بمحاذاة يانجتس والمناطق الساحلية الشرقية.
وتعرض شركات السياحة رحلات إلى جزيرة ينشان ومشاهدة الكسوف من سفن قبالة ساحل شنغهاي. وتستعد مدينة سوزو المجاورة التي تشتهر بمنازلها الريفية القديمة وحدائقها وقنواتها لاستضافة 100 ألف سائح صيني 10و آلاف سائح أجنبي لمشاهدة الكسوف حسبما صرح وو مين من مكتب سوزو للسياحة لوسائل إعلام محلية. وقال لي (سمعت أنه في المدن الساحلية انه حتى الفصول الدراسية قد حجزت). ووصل الفلكي الأمريكي جاي باساشوف إلى الصين منتصف الشهر الجاري للإعداد لمشاهدة الكسوف في مقاطعة زيشيانج انجي بحسب وسائل إعلامية.