يقع المسجد الإبراهيمي جنوب شرق مدينة الخليل، ويعتقد أتباع الديانات السماوية وبخاصة اليهود أن جثمان سيّدنا إبراهيم عليه السلام مدفون في هذا المسجد، وكذا زوجته سارة وإسحاق ويعقوب، ومن هذا الاعتقاد بدأت محاولات اليهود الماكرة لوضع أقدام لهم في هذا المسجد الطاهر.
وترجع أساسات بناء هذا المسجد إلى عصر هيرودوس، أي قبل حوالي ألفي عام، وأن الشرفات الواقعة في الأعلى تعود للعصور الإسلامية، حيث تم بناء سقف للمسجد وقباب، وكان ذلك في العصر الأموي، وفي العصر العباسي فتح باب من الجهة الشرقية، وفرشه الفاطميون بالسجاد، وبعد سيطرة الحملات الصليبية عليه، أعاده صلاح الدين إلى حاضرة الإسلام، وبقي كذلك منارة وضَّاءة يشع منها نور الإسلام وهديه.
للمسجد الإبراهيمي مئذنتان مربعتا الشكل، طول كل واحدة خمسة عشر متراً، تقع الأولى على السور من الجهة الجنوبية الشرقية، والثانية من الجهة الشمالية الغربية.
بقي المسجد طوال تاريخه الإسلامي منارة هدى وهداية، ترعاه أيد طاهرة مؤمنة، تتعاهد إعماره تعبداً لله، وذلك بإصلاح ما يطرأ عليه، وترميمه من عوارض توالي الأيام وتعاقب الدهور، وتعاقبت على هذا المسجد الطاهر الأجيال المسلمة تتعلَّم فيه، وتعلِّم الناس الخير، والسماحة والتسامح، والتعايش في ظل أفق الإسلام الوارف الواسع الذي يستوعب كل الديانات السماوية ويعترف بها، ويتعامل بإيجابية وإنصاف وعدل مع معتنقيها.
وجاء الصهاينة، وكعادتهم لجأوا إلى أساليبهم المعروفة، فدخلوا من أبواب المكر والخديعة والاستكانة، وقالوا: لنا معشر اليهود في المسجد الإبراهيمي حق كما لكم فيه حق أيها المسلمون، حقنا معشر اليهود في المسجد يكمن في أن جثمان إبراهيم وإسحاق ويعقوب مواراة في هذا المسجد، وهؤلاء الأنبياء هم آباؤنا، لهم حق علينا أن نتعبد الله إلى جوارهم، فأعطونا زاوية من زوايا المسجد كي نؤدي صلواتنا فيها.
تعاطف المسلمون معهم، وكان لليهود ما أرادوا، حيث تم اقتطاع زاوية في المسجد خصصت لليهود، وبقوا على هذه الحال فترة من الزمن، راضون بهذه الزاوية، حتى تمكَّنوا من السيطرة عليها، وعرف الناس أن هذه الزاوية لليهود، وبعد أن استتبت لهم الأمور، واستقروا على هذه الحال واطمأنوا، قالوا: هذه الزاوية لا تكفينا، ولا تحقق مرادنا في التعبد، فتقدموا بمطالب جديدة، وقالوا: (افتحوا لنا معشر اليهود طريقاً إلى المقامات من داخل المسجد)، كي نزور مقام إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
وتعطف المسلمون مع هذا المطلب مرة أخرى، وتمت الاستجابة لهم، حيث تم تحديد ممر لليهود من الزاوية المخصصة لهم إلى المقامات، ورضوا بهذا كعادتهم، ومرت السنون، حتى رسخ في الأذهان هذا الاستحقاق، ثم بحثوا عن مسوغ لمطالب أخرى، وقالوا: الزاوية لا تكفي، والممر ضيق، دعونا نقسم المسجد مناصفة، بيننا نحن اليهود وبينكم أيها المسلمون.
وتمت الاستجابة لمطالبهم للمرة الثالثة، وقسم المسجد مناصفة، وبعد حين افتعلوا حوادث عراك وشجار، لتسويغ مطالب جديدة، وقالوا: حتى نتحاشى الشجار والعراك بين المترددين على المسجد من اليهود والمسلمين، نرى ألا يدخل اليهود على المسلمين في أوقات الصلاة، وعلى المسلمين ألا يدخلوا على اليهود في أوقات صلواتهم، وكان لهم ما أرادوا، وكانوا يخططون لمباغتة المسلمين في الهجوم على المسجد والسيطرة عليه كاملاً، وكان لهم ما أرادوا، حيث هم الآن يسيطرون على المسجد الإبراهيمي كاملاً، وانزوى المسلمون في زاوية صغيرة، تشبه الزاوية التي خصصت لليهود عندما دخلوا المسجد أول مرة، والآن يسرح اليهود ويمرحون في المسجد الإبراهيمي، والمسلمون خارجه في سبات، ومرَّ هذا الحدث كغيره من الأحداث، لم ينوّه عنه ولم يحظ حتى بالاستنكار، لأنه لم يعد يثير غضب أحد أو انفعاله، والخشية أن ينهجوا النهج نفسه في الاستحواذ على المسجد الأقصى.
إنه مؤشر على الوهن الذي اعترى النفوس، والذل الذي أصاب الإرادة في مقتل.