يصف ماكس فيبر البيروقراطية بأنها مفهوم اجتماعي يشير للتنظيمات الضخمة التي تضم أفراداً تتكامل جهودهم لتحقيق هدف محدد وفق خصائص تنظيمية معينة، وتعد الصورة الذهنية المنعكسة في أذهان كثير من الناس حول مصطلح (البيروقراطية) أنه مرادف للروتين والتعقيد في الإجراءات الإدارية وعدم المرونة وكثرة الأساليب الرقابية، ولقد هدف فيبر من وضعه لنظريته البيروقراطية - التي تعد البداية لنظريات التنظيم الإداري الحديث - إلى وصف الجهاز الإداري الحكومي وعلاقته بالأداء والسلوك الإنساني وبالتالي فهي لا تحمل أي معانٍ غير مرغوبة كما هو شائع في النظرة الاجتماعية لها، وقد ارتكزت نظرية التنظيم البيروقراطي على أسس وخصائص مميزة منها: تقسيم التنظيم إلى عدة مستويات تأخذ شكلاً هرمياً، وسيادة العلاقة الرسمية والموضوعية بين أعضاء التنظيم، وتوزيع الأعمال والسلطات بشكل متوازن، وزيادة التخصص الوظيفي، واعتماد التنظيم على الإجراءات والقرارات الإدارية، وشغل الوظيفة العامة بالاشخاص الأكفاء.
لقد ركز البعض منا على الجانب الفارغ من الكوب في نظره لخدمات الأجهزة البيروقراطية الحكومية التي تقدم خدماتها للجمهور من مواطنين ومقيمين، دون النظر بإنصاف إلى جهود عدد من هذه الأجهزة في تطوير خدماتها التقليدية والالكترونية، فها هم الطلبة والطالبات يتقدمون هذه الأيام للقبول في الجامعات عبر مواقعها الالكترونية دون تجشم عناء السفر والانتظار في طوابير طويلة وكذا الخريجون الذين يتقدمون لوظائف الخدمة المدنية والمقيمون عبر باقة خدمات (مقيم) الالكترونية التي تقدمها المديرية العامة للجوازات.
لقد ساهم استخدام تطبيقات الحكومة الالكترونية في التفوق النوعي للخدمة على عاملي الزمان والمكان فمن أي مكان في العالم وفي أي وقت من اليوم تستطيع زيارة مواقع عدد من الجهات الحكومية وإنجاز معاملاتك الشخصية، وقد تنبهت المملكة منذ وقت مبكر لأهمية التقنية ودورها في تسهيل الإجراءات وزيادة جودة الخدمة وقصر مدة تنفيذها وتقليل تكلفة الخدمة على المواطن والمقيم من جهة والأجهزة الحكومية من جهة أخرى فتبنت برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية (يسِّر) الذي يجسد اهتمام المملكة بتطبيق مفهوم التعاملات الإلكترونية الحكومية، ولو قدر لأب البيروقراطية (فيبر) أن يعيش هذه الأيام لتولى عنها شطر تطبيقات الحكومة الالكترونية لما فيها من تجسيد واقعي للقيم المثالية التي آمن بها ودافع عنها، فمتى يأتي اليوم الذي نشهد بعض أجهزتنا الحكومية تعتذر لمراجعي مبناها بلافتة كتب عليها (لراحتكم نقلنا خدماتنا من هذا المبنى إلى..... (www)..
***