في أيامنا هذه المرتبطة بالعولمة، وبفكرة القرية الكونية الواحدة، اختلفت المعايير فيما يخص الرقابة، والمنع، فقد دار حديث بين رجلين، رجل محافظ وآخر واع لما يثار في عالم اليوم؛ كان الأول (المحافظ) يركز على ضرورة أن نمنع كثيرا من التقنيات الحديثة في أن تكون في متناول صغار السن، والأبناء والبنات على وجه الخصوص، مؤكداً على مضار هذه التقنيات الحديثة، معتبراً أن الجانب الضار هو ما يركز عليه أغلب المستخدمين.
فيما أجابه الآخر: ماذا ستمنع على سبيل المثال؟
قال المحافظ: سأمنع القنوات الماجنة، قنوات الأغاني والأفلام الهابطة، أن تكون ضمن قنوات (رسيفر) المنزل، وسأكتفي بالقنوات ذات الفائدة التي تعود بالنفع على الأبناء، من بنات وأولاد.
أجابه الآخر: حسناً، منعت القنوات، هل ستمنع الأبناء من استخدام الحاسب الآلي، وإن كان يمكن ذلك في الوقت الحالي، فعندما يتم تعميم التعليم الإلكتروني في المدارس، هل يمكنك ذلك؟
أجاب المحافظ: يمكن أن أسمح لهم أن يستخدموا الحاسب الآلي تحت رقابتي، ومتابعتي، بأن أجعل جهازا واحدا منزليا، يكون في صالون المنزل، يستخدمه من يريد الاستذكار، أو عمل بحوث دراسية.
قال الآخر: حسناً يمكن ذلك، فهل ستمنعهم من استخدام الجوال؟
قال المحافظ: يمكن أن يستخدموا جوالاً بدون كاميرا أو بلوتوث، يستقبل ويرسل فقط.
قال الرجل الآخر: فهل ستمنعهم من الذهاب إلى المدارس أو الاختلاط مع زملائهم أو زميلاتهن؟
قال المحافظ: لا يمكن ذلك، هذا مستحيل!
قال الرجل الآخر: وهل تعلم أن كافة الأصدقاء، من زملاء وزميلات لديهم الآن لاب توب، وجهاز جوال بأحدث المواصفات، وإن كان لديك أبناء يملكون مثلهم، فمن الممكن أن يكون لديهم شرائح تخزين، تصل إلى ما يزيد عن 16 غيغا بايت، يمكن له أن يحمل بها أفلام، ومشاهد، ونصوص مختلفة، بالشكل الذي يريد.
قال المحافظ: ما الحل إذن؟
قال الآخر: الحل في الرقابة الذاتية، الحل في القناعة التامة من قبل أبناء الجيل في أن يميز الشخص ماذا يريد، يميز بين ما ينفعه وما يضره، مقدرتنا على أن نربي لديهم هذه الروح، أن نزرع في داخلهم حب العلم، والبحث العلمي، أن نجعل لديهم الرغبة في الاستفادة من هذه التقنية فيما يفيد، وتغليب هذا الجانب لديهم، حتى لو كان هناك بعض الوقت للتسلية والترفيه البريء، لا يمنع ذلك بشرط ألا يكون كل الوقت، القدرة على إدارة الذات، والقدرة على الاختيار.
تؤكد دراسة حديثة أن إستراتيجية بي بي سي الجديدة تعكس حقيقتين مهمتين في وسائل الإعلام في القرن 21.
أولاً: باتت كل الأخبار وسبل الترفيه مسألة شخصية، الآن في العصر الرقمي، بإمكان المستخدمين تطوير وسائل الإعلام لفعل ما يريدون، متى ما أرادوا.
وبفضل أنابيب الاتصال الإلكتروني السريع عريض النطاق والتكنولوجيا المتوازية التي تمنح الأفراد مزيداً من مزايا استخدامات الكمبيوتر، أصبح من الأسهل كثيراً خلق وتطويع وسائل الإعلام على الشبكة الإلكترونية.
وفي هذا العالم الجديد، تكمن السيطرة لدى المستهلكين مثلما يتمتع بها المبدعون.
ثانياً: تعمل شبكة الإنترنت على تغيير الترتيب الزمني لإنتاج الأعمال الترفيهية والبث والاستهلاك؛ فبدلاً من افتتاح فلم جديد على شاشة السينما، ثم يهبط العرض بعدها نزولاً على شاشة التلفزيون والفيديو، ثم الانترنت يمكن عرضه بكل تلك الأشكال في وقت واحد.
وتزدهر المذكرات الانترنتية المعروفة بالبولفات ومواقع تبادل الصور، وتبرز جماعات جديدة من مشغلي الأغاني ومنتجي الأفلام على الشبكة. ويتبادل المشاهدون أفلام الدراما المصنوعة خصيصاً للهاتف النقال، أو إقامة أوساط افتراضية حول إذاعات البث الإلكترونية.
وهذا يؤكد على ما أشرنا إليه في بداية المقال عن أهمية الرقابة الذاتية خاصة وأننا أمام انفتاح أكبر في الأيام القادمة.
كاتب وباحث في الشؤون الإعلامية
Kald_2345@hotmail.com