Al Jazirah NewsPaper Sunday  02/08/2009 G Issue 13457
الأحد 11 شعبان 1430   العدد  13457
إنفلونزا الخنازير للبالغين
بيتر م. ساندمان

 

لا أحد يدري كيف قد تتطور إنفلونزا الخنازير(H1N1) هل تستمر في الانتشار أم تنحصر؟ وهل تتراجع أثناء فصل الصيف في نصف الكرة الأرضية الشمالي ثم تعود في الخريف؟ وهل تظل معتدلة أم أنها سوف تتخذ شكلاً أشد حِدة؟ إن خبراء الإنفلونزا ليس لديهم أية إجابة شافية على هذه التساؤلات.

الأمر المؤكد هو أن مسؤولي الصحة يجازفون بإساءة إدارة الكيفية التي يفسرون بها هذا التهديد المزعج لعامة الناس. وبالرغم من أنهم يعرفون الكثير عن علم الفيروسات والصحة العامة إلا أنهم لا يعرفون أي شيء تقريباً عن كيفية التحدث إلى (والإنصات إلى) الناس عن المخاطر.

لذا، أقدم إليكم مجموعة مبادئ عامة حول كيفية الاتصال بالجماهير في حالة وباء إنفلونزا الخنازير، صغتها لكم في هيئة ما لا ينبغي لمسؤولي الصحة أن يفعلوا حين يحدثونكم عن هذا المرض الجديد.

1 - لا تتصنع الثقة. لا أحد يحب عدم اليقين؛ فنحن جميعاً نتمنى لو كان الخبراء يعرفون بالضبط ماذا سيحدث. ولكننا نتكيف بصورة أفضل مع عدم اليقين الذي يعترف به المسؤولون بصراحة مقارنة بالثقة الزائفة. فحين يخبرنا مسؤولو الصحة بكل ثقة بأن (س) سوف يحدث، ثم يحدث (ص) بدلاً من ذلك، فإننا نفقد الثقة في زعامتهم. إن المسؤولين الأذكياء يخططون لسيناريوهات مختلفة قد يتخذها وباء إنفلونزا الخنازير، ويتوقعون المفاجآت التي قد ترغمهم على تغيير خططهم. ويتعين عليهم أن يطلعونا على هذه الحقيقة.

2 - لا تبالغ في طمأنة الناس. حتى الآن ما زال هذا الوباء خفيفاً، ولكن حتى فيروس الإنفلونزا الخفيف قد يقتل عدداً كبيراً من الناس، وخاصة هؤلاء الذين يعانون من مشاكل طبية أخرى. ويخشى الخبراء أن يتحور هذا الفيروس الجديد إلى سلالة أكثر شِدة. ولكن المسؤولون يصرون على إخبار الناس مراراً وتكراراً بعدم وجود أي حاجة على الإطلاق للقلق والانزعاج، وذلك طبقاً لتعبير أحد مسؤولي الصحة في اسكتلندا. غير أن هذا غير صحيح وقد يؤدي إلى نتائج عكسية. فحتى قبل أن يتدهور الموقف (إذا تدهور) فإن الناس يستشعرون الخطر حين يبدأ مسؤول ما في (تهدئتهم) بدلاً من اطلاعهم على الحقائق. وحين نفقد الثقة في أن المسؤولين يتحرون الصراحة والدقة بشأن المعلومات المزعجة فإننا نميل إلى الاعتماد على الشائعات. وعدم الثقة في محاولات الطمأنة المفرطة من جانب المسؤولين يجعلنا أشد انزعاجاً.

3 - لا تقلق بشأن الذعر. إن الذعر نادر في حالات الطوارئ. ورغم أن الناس قد يشعرون بالذعر إلا أنهم يتصرفون على نحو طيب في كل الحالات تقريباً. ولكن (الذعر من الذعر) - خشية القادة من عجزهم عن منع الناس من الذعر أمر شائع وشديد الضرر.

وفي قبضة (الذعر من الذعر) يصدر المسؤولون تصريحات مفرطة في الطمأنة، فيمنعون أو يؤخرون وصول الأنباء المزعجة إلى الناس، ويتحدثون بازدراء عن أن عامة الناس يتسمون ب(الافتقار إلى العقلانية)، و(الهستريا)، و(الهلع). والتواصل مع الناس بهذا القدر من الازدراء من شأنه أن يقلل من الثقة في المسؤولين.

4 - لا تنزعج كثيراً بشأن الاتهامات بالترويج للخوف. لا شيء يقوله المسؤولون من المرجح أن يتسبب في الهلع، ولكنهم قد يتهمون بالتسبب في إصابة الناس بالذعر بصرف النظر عما يقولون. فحتى حين يفرط المسؤولون في طمأنة الناس، فإنهم كثيراً ما يتهمون بالترويج للخوف من قِبَل المنتقدين الذين لا يطيقون أي علامة من علامات الانزعاج بين عامة الناس. وهذا النوع الخاص من الانتقاد يكاد يكون محتماً ولا مفر منه، ويتعين على المسؤولين أن يتجاهلوه. والحقيقة أن عدداً أقل كثيراً من المسؤولين خسروا وظائفهم لأنهم فرطوا في تحذير عامة الناس بشأن تهديدات تبين في النهاية أنها كانت خطيرة، مقارنة بالمسؤولين الذين يخسرون وظائفهم لأنهم أفرطوا في تحذير الناس بشأن التهديدات التي تبين في النهاية أنها لم تكن بالغة الخطورة.

5 - لا تقاوم رد فعل التعديل. فرغم أن الذعر نادر، إلا أنه من الطبيعي أن يحتاج الناس لبعض الوقت قبل أن يتأقلموا مع المخاطر الجديدة ولا شك أن وباء إنفلونزا الخنازير جديد بالنسبة لنا جميعاً. ولا نستطيع أن نتخطى ما يطلق عليه خبراء اتصال المخاطر مرحلة (رد فعل التعديل)، والتي قد نصاب في أثنائها بفرط القلق المؤقت والمبالغة في الحرص، بل وقد نتخذ احتياطات غير ضرورية أو سابقة لأوانها من الناحية الفنية. إن ردود فعل التعديل تستغرق وقتاً بسيطاً عادة، ولكنها مفيدة فهي تعد بمثابة تدريب إدراكي ولوجيستي وعاطفي على التعامل مع الأوقات العصيبة المقبلة. ويتعين على مسؤولي الصحة أن يرشدوا الناس عبر ردود فعل التعديل لا أن يطالبوهم بتجاوز هذه الخطوة.

6 - لا تبالغ في الترويج لما تقوم به الحكومة من جهود. إذا كان بوسعي أن أحظر استخدام عبارة واحدة في التصريحات الرسمية للمسؤولين فإن اختياري الأول سوف يكون (كل شيء تحت السيطرة). (وعبارة (لا داعي للذعر) قد تكون اختياري الثاني). إن الخبراء يتفقون على إمكانية إبطاء الأوبئة، ولكن ليس على إمكانية (احتوائها). والمسؤولون الذين يعدون أو يلمحون إلى بقدرتهم على منع هذا الوباء من اختراق حدود البلاد، أو وقفه بمجرد وصوله، يعرضون أنفسهم لغضب الجماهير في وقت لاحق.

7 - لا تبالغ في الترويج لما قد يستطيع عامة الناس أن يقوموا به. إن التواصل الطيب بشأن المخاطر يقوم على تقديم أمور يستطيع الناس أن يقوموا بها. ذلك أن العمل يمنحنا شعوراً بالسيطرة، ويعيننا على تحمل مخاوفنا. وإذا ما تحور فيروس إنفلونزا الخنازير إلى شكل أشد خطورة، فإن الناس (والمجتمعات) الذين أعدوا أنفسهم لهذا الاحتمال ربما يتصرفون بصورة أفضل من هؤلاء الذين لم يعدوا أنفسهم. غير أن توصيات الصحة العامة، مثل غسل الأيدي وتغطية السعال، قد لا تساعد إلا قليلاً. إن الإنفلونزا تنتشر بمعدل أبطأ إذا ما قمنا جميعاً بما يتوجب علينا من عمل، ولكنها تنتشر رغم ذلك. وقد يكون من المفيد أن نبث رسالة مفادها أن ما نملك القيام به قد لا يكون كافياً ولكنه كل ما لدينا، ولا تقل هذه الرسالة فعالية عن قولنا (إن هذا سوف يمنع الإصابة بعدوى الإنفلونزا)، في حمل الناس على التكيف مع هذه التدابير والحقيقة أعظم قدرة على الدوام من المبالغات في كل الأحوال.

8 - لا تطلب المستحيل. إن التوصية بتدابير لا يستطيع عامة الناس اتخاذها أو تنفيذها من شأنه أن يخلق بين الناس شعوراً بعدم الجدوى، وليس الشعور بالسيطرة. ولا ينبغي للمسؤولين أن يحثوا الناس على غسل أيديهم رغم أنهم يدركون أن المياه النظيفة غير متوفرة. ولا ينبغي لهم أن يحثوا المقيمين في المناطق الحضرية على (تجنب المناطق المزدحمة بالناس)، دون الاعتراف بأنه من المستحيل أن نتجنب المناطق المزدحمة بالكامل طيلة فترة انتشار الوباء.

9 - لا تهمل أي لحظة قد تكون مفيدة على المستوى التثقيفي في بلدان العالم النامي، ما زال وباء إنفلونزا الخنازير (حتى الآن) أقل خطورة من العديد من التهديدات الصحية المتوطنة، والهدف الرئيسي للتواصل بشأن المخاطر هنا لابد وأن يتلخص في مساعدة الناس في المرور عبر مرحلة ردود فعل التعديل، واتخاذ التدابير الاحتياطية المعقولة، وإعادة التركيز على الأولويات الأخرى. ولكن إنفلونزا الخنازير في بلدان العالم المتقدم تحمل لنا درسين طويلي الأمد ويتعين علينا أن نفيد الناس بهذين الدرسين: أولاً، يتعين على الناس أن يدركوا أن الإنفلونزا أخطر مما يتصور العديد من الناس. وثانياً، يتعين على الناس أن يدركوا أن وباءً حاداً سوف يضرب مجتمعاتهم لا محالة في أي وقت من المستقبل، سواء كان ذلك الوباء إنفلونزا الخنازير أو غيره، ويتعين على الناس أن يقوموا بما في وسعهم، الآن، للإعداد والتجهيز لمثل هذه المواقف. إن مسؤولي الصحة في أميركا الشمالية يهدرون مثل هذه اللحظات التثقيفية في أغلب الأحوال. وبدلاً من هذه الدروس، يتعلم العديد من الناس أن الأوبئة ليست أكثر من نمور من ورق وأن المسؤولين عن الصحة ليسوا أكثر من مروجين للخوف والهلع. وإننا لنرجو أن يكون أداء المسؤولين في أماكن أخرى من العالم أفضل كثيراً.

***

بيتر م. ساندمان استشاري اتصال المجازفة، الذي يقيم في برينستون بمدينة نيوجيرسي في الولايات المتحدة الأميركية. ويمكنكم الحصول على المزيد من المشورة بزيارة موقعه على شبكة الإنترنت: www.psandman.com.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009
www.project-syndicate.org
خاص بـ«الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد