ما يسمونه زواج (المصياف) أو (المسفار) أو (زواج السياحة)، هو نوعٌ من أنواع الزواج بنية الطلاق، حرمه أغلب الفقهاء المعاصرين قياساً على حرمة زواج المتعة عند أهل السنة والجماعة. وهو - أيضاً - شكل (تحايلي) يتعارض مع الغرض السامي للزواج، وتحويله إلى مجرد رغبة جنسية تنتهي بانتهاء هذه الرغبة. سلامة النية واستقامتها أسٌ لا يمكن إقصاؤه البتة في أي ممارسة لها علاقة بالدين ومنها الزواج؛ فالأعمال مرتبطة بالنية الصادقة والسليمة (إنما الأعمال بالنيات)؛ وعندما تفسد النوايا سيجد محترفو اللف والدوران أكثر من أسلوب وطريقة لذر الرماد في العيون وتشريع الدعارة.
حدثني أحد الأصدقاء ممن زار إندونيسيا هذا الصيف فقال: (في إندونيسيا أصبح لزواج المسفار مكاتب ومسوقون وسماسرة يأتون بالصَبيّة الصغيرة وهي مُحجّبة، ليثبتوا للراغب في زواج المسفار أنها امرأة متدينة، ومستقيمة؛ وعند قبوله الزواج بها، يَعقد عليها، فيقضي معها ليلة، أو ليلتين، أو ربما طوال فترة الإجازة، وحين يُقرر السفر (يُسرحها) بإحسان، ويُشهد على طلاقها، وتنتهي عملية هذا الزواج بعودته إلى أرض الوطن). و يواصل صاحبنا: ( قابلت أحد الشباب السعوديين هناك، وأخبرني أن في ذمته الآن أربع نساء؛ واحدة زوجته (الرسمية) بقيت في المملكة، وثلاث إندونيسيات يقمن معه في ذات الفندق. وأنه يمارس هذا النوع من الزيجات - كما قال - رغبة في الحلال، وهرباً من الحرام وما يُغضب الله)!
وحسب ما جاء في جريدة إيلاف فقد نظمت جامعة إب في اليمن قبل سنوات ندوة حول ظاهرة الزواج السياحي ومواجهتها تحت شعار (من أجل بناء أسرة متماسكة ومستقبل أفضل للأجيال)، وقفت فيها على مخاطر هذه الظاهرة على المجتمع والأسر. وقد ذكرت بعض التقارير الحقوقية أن أسراً عربية - أيضاً - تقوم بتزويج بناتها الصغيرات من رجال كبار في سن آبائهن أو أجدادهن مقابل مهر (كبير) قد يخرجهم من دائرة الفقر؛ وينتهى هذا الزواج عادة بانتهاء الموسم السياحي. وكان إمام وخطيب مسجد الجمعية الوطنية في بونشاك في إندونيسيا محمد روياني قد أكد لجريدة الوطن السعودية (أنه حضر العديد من زيجات الصيف لسعوديين، وأنه مأذون شرعي يُقر الإيجاب والقبول بين الزوج وزوجته، وأن معظم السعوديين طلبوا عدم تسجيل بيانات زواجهم في أوراق رسمية، وإنما يكتفون بلفظ الإيجاب والقبول شفهياً، وأن 70% من عاقدي هذا الزواج من الفئة المتدينة والملتزمين السعوديين).
القول أن زواج المسفار أو الزواج السياحي زواج شرعي طالما توفرت فيه أركان الزواج وشروطه (تخريج) ناقص؛ حيث أغفل (النية) من هذا الزواج، وهي هنا (التمتع) لأمدٍ مُحدد بالزوجة؛ الأمر الذي يجعله في النتيجة (زواج متعة)، وليس زواجاً شرعياً، وإن توفرت فيه ظاهرياً الشروط (الشكلية) التي أقرها الفقهاء في عقود الزواج.
الجانب الآخر الذي لا بد من أخذه بعين الاعتبار هنا أن هذه الزيجات أو إن أردت الزواجات (المفبركة)، نتج عنها كثير من المآسي الإنسانية؛ فهناك مئات الأطفال كانوا ضحايا لمثل هذه الممارسات. فحسب إحصائية لوزارة الخارجية السعودية أرسلتها إلى مجلس الشورى في العام الماضي تبين أن عدد الأطفال السعوديين في الخارج يتراوح بين 800 إلى 900 طفل سعودي من أم غير سعودية جاؤوا نتيجة لهذا النوع من الزواجات المؤقتة.
مثل هذه المآسي الإنسانية يتحملها من يبيح هذا النوع من الزواجات دون أن تُدرك رؤيته ما آلت إليه من مآسٍ.
إلى اللقاء.